للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تهاويل الخيال، ويبرز الشوك والحسك من كل جانب من الصورة، وفي مقدمتها، عريانان يتعانقان في رقصة فالس، بينما يحدق إليهما طائر ضخم في نشوة فلسفية. ويظهر قطاع منها خلق لتكون أصل جميع الشرور، ويظهر قطاع آخر تعذيب الأشرار. وهي معجزة في الإبداع والحذق في الرسم والخيال المريض-وتمثيل بوش خير تمثيل.

وقد يتساءل البعض: هل وجد، حتى في فجر التجديد الحديث، ملايين المسيحيين البسطاء الانفعاليين، المصابين بكابوس مثل هذا؟ وهل كان بوش واحداً من هؤلاء؟ من العسير أن نقول ذلك، فنحن نرى في صورة له تمثله في مكتبة أراس، وقد بدأ في الشيخوخة، تام القوة العقلية والحدة البصرية، كان رحلاً حصيفاً، تجاوز غضبه الهجاء، واستطاع أن ينظر إلى الحياة بمرح برئ سرعان ما يخرج من الحلبة. ولم يكن من الممكن أن يصور هذه الأخيلة الحاذقة، إذا ظلت مستولية عليه. لقد تغلب عليها، وهو أدني إلى الغضب منه إلى السرور، لأن الإنسانية احتضنتها على الدوام. ومما يؤكد أن معاصريه استمتعوا بآثاره، على أنها مرح تصويري، أكثر منها مفازع دينية، رواج صوره المنقولة بالحفر والمطبوعة، وجاء "بيتر بروجل" بعد جيل واحد فاستطاع أن يدرب هذه الشياطين، ويحول أولئك الغيلان إلى حشد مرح سليم، وبعد ذلك بأربعة قرون عكس الفنانون العصابيون، أمراض عصرهم العصبية، أخيلة ساخرة تعبق، معبودهم بوشي.

ويختم هذا الفصل في تاريخ التصوير الفلمنكي بظهور شخصية، أدخل في المنهج التقليدي. ولقد ولد صاحب هذه الشخصية في "موبيج"، ومنها أخذ نسبته "مابوس"، واسمه "جان جوساير" ولقد رحل إلى أنتورب عام ١٥٠٣، ومن المحتمل أن يكون ذاك، بعد أن ثقف الفن على يد دافيد في بروجس. ودعي عام ١٥٠٧ إلى بلاط الدوق فيليب البرجندي وهو