ما حملت عبء الإمبراطورية؟ إني لأرقب ظهور رجل حصيف ذي مبدأ ليزيح عن ضميري هذه المشكلات التي يتعذر عليّ حلها … إن الحديث في الفلسفة يفتنني فتنة تصرفني عن كل ما عداها، وإني لأنصرف عن سماعها رغم أنفي حتى لا أهمل واجباتي التي تقتضيها أمور الساعة" (١٠٢) ويقول باودني: "كان يحج إلى قصره طوائف العلماء من كل أمة، والحكماء من كل ملة ومذهب، وكانوا يظفرون لديه بشرف استماعه إليهم؛ وإذا ما فرغوا من بحثهم وتقصيهم اللذين كانا شغلهم الشاغل ومهمتهم الأولى ليلاً ونهاراً، تحدثوا في مسائل عميقة في العلم، ونقط دقيقة في الوحي، وأعاجيب التاريخ وغرائب الطبيعة" (١٠٣)؛ ويقول "أكبر": "إن سيادة الإنسان تعتمد على جوهرة العقل" (١٠٤).
ولما كان فيلسوفاً فلا عجب أن يأخذه شغف شديد بالدين؛ فقد أغرته قراءته الدقيقة لملحمة "ماهابهاراتا" ودراسته الوثيقة لشعراء الهنود وحكمائهم، بدراسة العقائد الهندية؛ ولبث حيناً- على الأقل- يؤمن بمذهب التناسخ، وخيب فيه ظن أتباعه من المسلمين حين ظهر على الملأ بعلامات دينية هندية على جبهته؛ فقد كان له شغف بملاطفة أصحاب العقائد كلها، لذلك تودد إلى الزرادشتيين بأن لبس ما يلبسوه من قميص ومنطقة مقدسين تحت ثيابه؛ وانصاع للجانتيين حين طلبوا إليه أن يمتنع عن الصيد، وأن يحرم قتل الحيوان في أيام معلومة، ولما سمع بالديانة الجديدة المسماة بالمسيحية، التي جاءت إلى الهند مع بعثة "جوا" البرتغالية، أرسل خطاباً إلى هؤلاء المبشرين التابعين لمذهب بولس، يدعوهم أن يبعثوا له باثنين من علمائهم؛ وحدث بعد ذلك أن قَدِم جماعة من الجزويت مدينة دلهي، وحببوه في المسيح حتى أمر كتابة أن يترجموا له العهد الجديد (١٠٥) وأباح لهؤلاء الجزويت كل حرية في أن ينصروا من شاءوا بل عهد إليهم بتربية أحد أبنائه؛ وفي الوقت الذي كان الكاثوليك يفتكون بالبروتستنت في فرنسا، والبروتستنت- في عهد اليصابات- يفتكون بالكاثوليك في إنجلترا، ومحاكم التفتيش تقتل اليهود في أسبانيا