من قبل". وأضحت الرغبة في اقتناء الكتب، إحدى عوامل الفوران في "عصر الإصلاح الديني" وإليك ما كتبه دارس من بازل إلى أحد أصدقائه "في هذه اللحظة بالذات، وصل من البندقية، حمل عربة كاملة من الكتب الكلاسية، من خير طبعاً ألدوس. هل تريد شيئاً منها؟ إن كنت تريد أخبرني في الحال، وأرسل النقود، فما تكاد سلعة كهذه تصل، حتى ينهض إليها ثلاثون شارياً لكل مجلد، متسائلين عن الثمن، ويفقأ بعضهم أعين بعض للحصول عليها" واستمرت الطباعة بالحرف المتحرك.
وإذا أردنا أن نصف نتائجها جميعاً، كان لزاماً علينا أن نسجل نصف تاريخ العقل الإنساني الحديث. ووصف أرازمس، في نشوة رواج مؤلفاته، الطباعة بأنها أعظم المكتشفات، ولعله بخس بذلك الكلام والنار والعجلة والزراعة والكتابة والقانون بل لعله قد بخس وصول الإنسان إلى استعمال الألفاظ النكرات الشائعة. وأحلت الطباعة محل المخطوطات الخفية، نصوصاً رخيصة الثمن، تتضاعف بكثرة، في عدد نسخها، التي تمتاز بدقتها وخفة حملها عما كانت عليه من قبل، وتعمل بذلك التوحيد بين المشتغلين بالعلم، حتى أن الدارسين في بلاد شتى، يستطيعون أن يعمل أحدهم مع الآخر بواسطة مراجع إلى صفحات معينة من طبعات معينة. وكثيراً ما كان الكيف ضحية الكم، بيد أن أقدم الكتب المطبوعة، كانت في كثير من الأحوال نماذج فنية للطبع بالحرف المتحرك والتجليد. ولقد أذاعت الطباعة-أو بمعنى آخر يسرت للجمهور-كتيبات رخيصة للإرشاد في الدين والأدب والتاريخ والعلم، فأصبحت أعظم وأرخص الجامعات كلها، تفتح أبوابها للجميع. ولم تثمر الطباعة عصر النهضة، ولكنها مهدت الطريق للتنوير … للثورتين الأمريكية والفرنسية .. للديمقراطية. وجعلت الكتاب المقدس ملكاً شائعاً. وهيأت الناس لدعوة لوثر بالتحول من الاحتكام إلى الباباوات إلى الإنجيل، وسمحت بذلك بدعوة العقليين من