الشمس والنار مأخوذاً من العقيدة الزرادشتية، وفيه عنصر شبيه بالمذهب الجانتي في إيثاره للامتناع عن أكل اللحوم، وعد ذبح الأبقار كبيرة من الكبائر، فما أشد ما اغتبط لذلك الهندوس، وما أقل ما اغتبط له المسلمون؛ وصدر بعدئذ مرسوم يجعل الاقتصار على أكل النبات إلزاماً على الناس جميعاً مدى مائة يوم على الأقل كل عام، ثم سار مع ميول الوطنيين خطوة أخرى فحرم الثوم والبصل، وحرم تشييد المساجد وصيام رمضان والحج إلى مكة وغير ذلك من شعائر المسلمين؛ ولما أراد المسلمون مناهضة هذه المراسيم، نفي كثيراً منهم (١٠٨)؛ وأقيم وسط "محكمة السلام" في "فتحبور- سكرى" معبد للديانة المتحدة الجديدة (ولا يزال هذا المعبد قائماً) رمزاً للأمل الذي كان يضطرم في صدر الإمبراطور، وهو أن يكون أهل البلاد جميعاً- بفضل العقيدة الجديدة- إخواناً يعبدون إلهاً لا يختلف من طائفة إلى طائفة.
ولم يكن النجاح حليف "الدين الإلهي باعتباره ديناً، ووجد "أكبر" أن التقاليد أقوى من أن يهدمها بقوله أن يجل عن الخطأ؛ نعم إن بضعة آلاف من الناس التفوا حول الدين الجديد، كان معظمهم ممن يريدون من وراء ذلك اكتساب حظوة عند الدولة، لكن الأغلبية العظمى مازالت مستمسكة بآلهتها الموروثة؛ وأما من الوجهة السياسية فقد كان لخطته الدينية بعض النتائج المعينة؛ فلئن كان "أكبر" بوحيه الديني الجديد قد أبدى شيئاً من الأنانية ومن الإسراف، فقد عوض عن ذلك خير العوض بإلغائه لضريبة الرؤوس وضريبة الحج المفروضتين على الهندوس، وبإطلاقه الحرية للعقائد الدينية كلها (١)، وبإضعافه لروح التعصب الديني والجنسي وما يتبع ذلك من جمود الرأي وانقسام الطوائف؛ ولقد كسب إلى جانبه بفضل دينه الجديد ولاء الهندوس، حتى أولئك لم يعتنقوا منهم تلك العقيدة الجديدة، فاستطاع بذلك أن يحقق غايته الرئيسية إلى حد بعيد، وأعني بها الوحدة السياسية للبلاد.
(١) إذا استثنينا اضطهاد الإسلام لفترة من الزمن (١٥٨٢ - ٥).