للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتصادف أن "أكبر" لم يكن يحب الشيخ المسلم الذي اقترحوه لهذه التجربة، فتحسس للاقتراح، لكن الجزويت رفضوه لأنه إفك وخروج على الدين، لا لأنه خطر على حياة من تقع عليه التجربة؛ وجعل اللاهوتيون المتنافسون يجتنبون أمثال هذه الاجتماعات شيئاً فشيئاً، حتى لم يعد يحضرها إلا "أكبر" نفسه مع أصدقائه من أصحاب النظرة العقلية (١٠٦).

وضاق "أكبر" ذرعاً بالانقسامات الدينية في مملكته، وأفزعه الاحتمال بأن تؤدي هذه الديانات المتنافسة إلى تمزيق المملكة بعد موته، فاستقر رأيه آخر الأمر على أن يكون منها ديانة جديدة، تضم أهم تعاليم العقائد المختلفة في صورة بسيطة ويحكي لنا المبشر الجزويتي هذا النبأ كما يأتي:

"عقد اجتماعاً عاماً دعا إليه كل رجال العلم البارزين والقواد العسكريين في المدن المجاورة، لم يستثن أحداً إلا الأب "رِدُلفو" الذي كان من العبث أن ترجو منه شيئاً غير مناصبة هذه الدعوة الدينية العداء؛ فلما أن اجتمعوا جميعاً أمامه، خطبهم بأسلوب سياسي ماهر ماكر قائلاً:

"إنه لمن الشر في إمبراطورية يحكمها رأس واحد أن ينقسم الأعضاء بعضهم على بعض وأن يتباينوا في الرأي … ومن ثم نشأ في البلاد أحزاب بمقدار ما فيها من عقائد دينية؛ وإذن فلزام علينا أن ندمج هذه العقائد كلها في دين واحد، على نحو يجعلها كلها ممثلة في هذا الواحد، وتكون الفائدة الكبرى التي يجنيها كل من هذه الديانات، أنه لن يخسر شيئاً من جوانبه الحسنة. ثم يكسب كل ما هو حسن في سائر الديانات؛ وبهذا وحده نمجد الله ونهيئ للناس سلاماً وللإمبراطورية أمناً" (١٠٧).

ووافق المجلس مرغماً، فأصدر "أكبر" مرسوماً يعلن نفسه رئيساً دينياً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذه الرئاسة الدينية هي أهم ما أثرت به المسيحية على الديانة الجديدة؛ وكانت هذه العقيدة الجديدة توحيداً يمثل التقاليد الهندية في التوحيد خير تمثيل، مضافاً إليه قبس من عبادة