للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن ترى الوالدين جالسين تحت شجرة يتسليان بالفاكهة يأكلانها وبالسمر يَسمُران به، بينما يأخذ أبناؤهما في القفز حولهما والوثب من غصن إلى غصن في مرح وزئاط". وإذن فالزواج أعمق في التاريخ من بني الإنسان.

والمجتمعات التي تخلو من الزواج نادرة، لكن الباحث الخبيث يستطيع أن يجد منها عدداً يكفيه ليصور به مرحلة انتقال من الفوضى الجنسية التي تسود الحيوان الأدنى إلى صنوف الزواج التي أخذ بها الإنسان البدائي؛ ففي "فوتونا" Futuna و "هواي" معظم الناس لم يتزوجوا إطلاقاً، وأهل "لوبو" Lubu تعاشروا في إباحية وبغير اختيار أو تحديد، ولم يكن في رءوسهم فكرة الزواج، وكذلك بعض القبائل في بورنيو كانت تعيش حياتها الجنسية بغير أن يكون الزواج هو الرباط الذي يربط الزوجين، ولذلك كانت العلاقة بين العشيرين أسهل انحلالا مما نراه بين الطيور، ولدى بعض شعوب الروسيا البدائية "كان الرجال يستعملون النساء بغير تمييز بحيث لم يكن لامرأة زوج معلوم".

ولقد وصف الواصفون أقزام أفريقيا بأنهم لا يصطنعون أنظمة الزواج في حياتهم، بل تراهم "يشبعون غرائزهم الحيوانية إشباعاً كاملا بغير ضابط"؛ لكن هذا "التأميم للنساء" الذي يقابل الشيوعية البدائية في الأرض والطعام، زال في مرحلة مبكرة بحيث لم يعد من آثاره اليوم إلا قليل، ومع ذلك فقد لبثت بعض ذكرياته عالقة في الأذهان في صور مختلفة: في شعور كثير من الشعوب الفطرية بأن وحدانية الزوجة- التي يعرفونها بأنها احتكار رجل واحد لامرأة- ينافي الطبيعة ويجافي الأخلاق، وفي الأعياد التي نقيمها على فترات معلومة ونتحلل فيها من القيود الجنسية مؤقتاً) ولا يزال هذا الشعور موجوداً بصورة ضعيفة في بعض أعيادنا (، وفي مطالبة المرأة بأن تُسلم نفسها لأي رجل يطلبها قبل أن يُسمح لها بالزواج (١) - كما هي الحال في "معبد مايْلتّا" Mylitta في بابل-،


(١) راجع ذلك في الجزء الخاص ببابل في أجزاء هذا الكتاب