خدعته أكثر من عشر مرات". ودرس مكيافلي بعناية سيرة فرديناند وأفاد من دهائه ومدح أعماله … بأنها كلها عظيمة وبعضها صادق. ووصفه أنه أفضل ملك في العالم المسيحي. وكتب جويكشيارديني " ما أعظم الفرق بين أقوال هذا الأمير وأفعاله، وكيف يضع خططه في عمق وتكتم". ورأى البعض أنه محدود. ولكن الحق أن حظه الموفق إنما كان في تدابيره للأحداث بعناية وانتهازه للفرص السانحة وإذا أحكم التوازن بين فضائله وجرائمه، فإنه يبدو أنه دفع إسبانيا بوسائل شريفة وأخرى دنيئة، من أجزاء متناثرة عقيمة متعددة الألوان، إلى وحدة وقوة جعلتاها في الجيل التالي المسيطرة وحدها على أوربا.
ولقد تعاون فرديناند مع إيزابلا على إعادة الاستقرار للأنفس والأموال في قشتالة، وفي بعث السانتا هرمانداد أو الآخر ة المقدسة لتكون حرسا أهليا محليا لتحافظ على النظام، وفي إنهاء السطو في الطرق العمومية والدسائس الجنسية في البلاط، وفي إعادة تنظيم المحاكم وتوحيد القوانين، وفي استرداد أراضي الحكومة التي سلمها الملوك السابقون بغير اكتراث إلى المقربين، وفي أخذ النبلاء بالطاعة الكاملة للتاج، وهنا أيضا، كما كان الحال في فرنسا وإنجلترا، أسلمت الحرية والفوضى الإقطاعيات إلى النظام المركزي للملكية المطلقة وتنازلت المجالس البلدية بدورها عن امتيازاتها، وقلما اجتمعت المجالس الإقليمية وكان اجتماعها في الغالب للموافقة على أموال تمنح للحكومة، وذبلت ديمقراطية واهية الجذور وماتت في ظل ملك صلب المراس. بل ان الكنيسة الإسبانية التي كانت عزيزة على الملكين الكاثوليكيين (١) los reyes catolicas انتزع منها جانب من ثرواتها وكل حقها في التشريع المدني، وأصلحت إيزابلا أخلاق رجال الدين بصراحة، وأكره البابا سكتوس
(١) أي الملكان الكاثوليكيان - لقد أسبغه على فرديناند وإيزابلا البابا إسكندر السادس عام ١٤٩٤.