للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى منتصف القرن السابع عشر، اكثر تشبثا بالدين مما نحن عليه الآن، وكانت علوم الملام هي أثمن وأوثق ما يملكون، ونظروا إلى أولئك الذين ينكرون هذه المذاهب كأنما يهاجمون أصول النظام الاجتماعي وجوهر الحياة الإنسانية. واعتقاد كل جماعة بصحة مذهبها جعلتها متشددة إلى حد التعصب ودمغ الآخرين بأنهم كفار.

وانتشر مبدأ محكمة التفتيش في يسر بين الأشخاص الذين لم تتأثر مذاهبهم الدينية بالتعليم والرحلة، والذين كانت عقولهم أكثر خضوعاً لحكم العادة والخيال. واعتقد جميع مسيحي القرون الوسطى تقريباً عن طريق تعليمهم في الطفولة والوسط الذي عاشوا فيه بأن الكتاب المقدس من وحي الله بكل لفظ فيه، وأن ابن الله قد أنشأ الكنيسة المسيحية مباشرة. وبدا أنه ينتج عن هذه المقدمات أن الله يريد أن تكون جميع الأمم مسيحية وأن الإيمان بديانات غير مسيحية- أو ضد المسيحية على التحقيق- يعد كبيرة في حق الله. يضاف إلى ذلك، أنه ما دامت كل هرطقة مادية تؤدي بالضرورة إلى عقاب أبدي فإن المختصين منها قد يعتقدون (ويظهر أن كثيرين منهم قد اعتقدوا بإخلاص) أنهم بإرهاق روح هرطيق، إنما ينقذون الهدى الكامن فيه وربما أنفذوه هو نفسه من الجحيم الأبدي.

ومن المحتمل أن إيزابلا، التي عاشت في جو علماء الدين، قد شاركت في هذه الآراء. ولعل فرديناند، الذي كان رجلا صلبا من رجال الدنيا قد ارتاب في بعضها، ولكن يبدوا أنه اقتنع بأن توحيد العقيدة الدينية يجعل إسبانيا أيسر حكماً، وأقدر في التغلب على أعدائها. ولقد أصدر البابا سكستوس الرابع، بناء على رغبة فردينان وإيزابلا قراراً (أول نوفمبر ١٤٧٨) يفوض لهما أن يعينا ستة قسس، من ملة الإجازات العليا في علوم الدين والشريعة، ليؤلفوا هيئة محكمة التفتيش ليحققوا تهم الهرطقة ويعاقبوا عليها. وأبرز شيء في هذا القرار هو إعطاء السلطة لملوك إسبانيا.