أن يعينوا هيئة محاكم التفتيش، التي كانت في صورها السابقة، تختار بوساطة رؤساء فرق الفرنسسكان والدومنيكان المحلية. وهكذا أصبح الدين هنا خاضعا للدولة مدى ثلاثة أجيال، وكان قضاة هذه المحاكم يرشحهم الملوك فقط من الناحية العملية، ثم يعينهم البابا، ويستمدون سلطتهم من هذا القرار البابوي، وظلت المنظمة كهنوتية، ووسيلة من وسائل الكنيسة وفي الوقت نفسه وسيلة من وسائل الدولة. وكان على الدولة أن تدفع نفقاتها وأن تحصل على دخلها الخالص ويراقب الملوك تفاصيل أعمالها، وإليهم قد تستأنف أحكامها. وآثر فرديناند بمحبته هذه الوسيلة من بين جميع وسائل حكمه. ولم تكن أهدافه أول أمرها مالية، فقد غنم من الأموال المصادرة للمحكوم عليهم ولكنه رفض رشاوى مغرية من الضحايا الأغنياء للتأثير على القضاة، وكان همه منصباً على توحيد أسبانيا.
وأعطى القضاة سلطة استخدام المعاونين من رجال الدين ومن المدنيين كمحققين ومنفذين للأحكام. ووضعت المنظمة برمتها بعد عام ١٤٨٣ تحت إمرة وكالة حكومية، هي هيئة التفتيش العامة وتسمى عادة "مجلس محكمة التفتيش العليا والعامة " Concejo de la Suprema-y General Inquisicior، وشمل تشريع محكمة التفتيش جميع المسيحيين في أسبانيا، ولم تمس اليهود الذين لم ينتصروا، ووجهت أهوالها إلى المنتصرين الذين يشك أنهم ارتدوا إلى اليهودية أو الإسلام وإلى المسيحيين المتهمين بالهرطقة، وكان اليهودي غير المنتصر إلى عام ١٤٩٢ آمنا على نفسه أكثر من المعمد. وطالب القس والرهبان والمتعبدون الإعفاء من التفتيش؛ ولكن مطالبهم رفضت، وقاوم اليسعيون تشريعها نصف قرن ولكنهم غلبوا على أمرهم أيضاً. والحد الوحيد لقوة الهيئة العليا إنما هو سلطة الملوك، بل