للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على القتل قط، وقصاراها أنها كانت تسلم المحكوم إليه إلى السلطات المدنية، وقد علمت أن القانون الجنائي يجعل في المحرقة نافذاً في جميع العقوبات على الهرطقة الكبيرة أو التي لا توبة عليها. وإن حضور رجال الكهنوت عند المحرقة يدل على مسؤولية الكنيسة، ولم يكن المشهد الخاص بالإيمان هو مجرد الإحراق، لكنه الاحتفال المؤثر المروع كله بالنطق بالحكم والتنفيذ. ولم يكن مقصوداً على ترويع المخالفين في السر، وإنما لتهذيب الشعب كأنما يطلعونها مقدما على الحساب.

وكان الإجراء في أول أمره بسيطاً فإن الذين يحكم بإعدامهم يقادون إلى الساحة العامة، وكانوا يوثقون بأربطة على كومة حطب، بينما يجلس قضاة التفتيش في أبهة على منصة تواجهها، ويطلب للمرة الأخيرة إلى المحكوم عليه أن يدلي باعترافه، وتقرأ عليه الأحكام، وتشعل النيران، ويبلغا الفزع منتهاه. بيد أن كثرة الإحراق وفقد بعض سلطانها النفسي، جعل الاحتفال أكثر تعقيداً ورهبة وعنى بإظهاره بكل أسباب العناية والنفقة، التي يتطلبها إخراج مسرحي كبير. وكان يحدد ميعاده كلما أمكن ذلك للاحتفال بالاعتلاء على العرش أو الزواج أو الزيارة من ملك أو ملكة أو أمير أسباني. وكان يدعى موظفو البلديات والحكومة وهيئة محكمة التفتيش والقسس والرهبان المحليون، بل في الواقع كان يطلب حضورهم. وفي أمسية التنفيذ ينضم هؤلاء الأماثل إلى موكب كئيب يسير في طرق المدينة الرئيسية ليضع صليب محكمة التفتيش الأخضر فوق مذبح الكاتدرائية أو الكنيسة الرئيسية. وتبذل محاولة أخيرة للحصول على اعترافات المحكوم عليهم، فيستسلم كثيرون منهم، وتخفف أحكامهم إلى السجن فترة من الزمن أو مدى الحياة. وفي الصباح التالي يساق المسجونون وسط الجموع الغفيرة إلى إحدى ساحات المدينة. وفيهم الدجالون والمجدفون في الدين والمضارون (١) والهراطقة والمرتدون، وفي


(١) المتزوج من امرأتين.