الرمل فيظهر الذهب الدفين (١) ولقد كانت الهند مصدراً لكثير من الذهب الذي استخدم في امبراطورية فارس في القرن الخامس قبل الميلاد؛ كذلك استنجمت هناك الفضة والنحاس والرصاص والقصدير والزنك والحديد- وكان استنجام الحديد في وقت باكر من التاريخ إذ كان في سنة ١٥٠٠ ق. م (١١)؛ وارتقت صناعة طرق الحديد وصبه في الهند قبل ظهورها المعروف لنا في أوربا بزمن طويل، فمثلاً أقام "فكرامادتيا"(حوالي سنة ٣٨٠ م) في دلهي عموداً من حديد لا يزال محتفظاً ببريقه حتى اليوم، بعد أن انقضى عليه خمسة عشر قرناً؛ ولا يزال سر احتفاظه ببريقه من عوامل الصدأ والتآكل، الذي يرجع إلى نوع المعدن ذاته أو إلى طريقة طرقه وصبه، لا يزال سر ذلك لغزاً يحير علم المعادن الحديث (١٢)؛ وقد كان صهر الحديد في أفران صغيرة توقد بالفحم من كبرى صناعات الهند قبل الغزو الأوربي لتلك البلاد (١٣) لكن هذه الصناعة الهندية لم تصمد لمقاومة مثيلتها في أوربا، لأن الثورة الصناعية في أوربا علمتها كيف تؤدي هذه الصناعة بنفقات قليلة وعلى نطاق واسع؛ ولم يعد الناس من جديد إلى استغلال الموارد المعدنية الغنية في الهند واستكشافها إلا في يومنا هذا (١٤).
وظهرت زراعة القطن في الهند في عصر سابق لظهوره في أي بلد آخر، والأرجح أنه كان ينسج قماشاً في "موهنجو دارو"(١٥) يقول هيرودوت في نص هو أقدم ما بين أيدينا من مراجع عن القطن، يقول في جهل ممتع:"وهناك أشجار حوشية تثمر الصوف بدل الفاكهة، وصوفها يفوق صوف الأغنام جودة وجمالاً؛ ويصنع الهنود ثيابهم من هذه الأشجار"(١٦)؛ فلما شن الرومان حروبهم في الشرق الأدنى، عرفوا هذا "الصوف" الذي تثمره الأشجار (١٧)؛ وروى لنا الرحالة العرب الذين زاروا الهند في القرن التاسع بأنه "في هذه البلاد يصنع الناس أثواباً يبلغون بها درجة من الكمال لا تصادف
(١) لسنا ندري ما قصة هذا النمل، لكن الأرجح عندنا أن المقصود حيوانات آكلة للنمل، لا النمل ذاته.