ولم تكن صدى لألفاظ مضى عليها ١٥٠٠ عام. وكانت رسائله مثل رسائل بترارك مطمع أنظار الأدباء والأمراء بعد حديثه المثير وهو يقول لنا، ولعل هذا بشيء من الرخصة الأدبية، أنه كان يتسلم كل يوم عشرين رسالة ويكتب أربعين خطابا. ونشرت منها بضع مجلدات في حياته بعد أن فتحها مؤلفها بعناية حتى يقرأها من يتم بعده. وكان بين من يراسلونه ليو العاشر وأدريان السادس والملكة مارجريت ملكة نافار والملك سيجموند الأول ملك بولندا وهنري الثامن وموروكوليه وبيركايمار. وكتب مور المتواضع:"لا أستطيع أن أتخلص من شعور نزوى بالغرور .. عندما يخطر ببالي أني سأكون موضع ثناء من خلف بعيد لصداقتي لأرازموس".
ولم يضارعه في شهرته كاتب آخر من معاصريه، اللهم إلا إذا اعتقدنا أن لوثر كاتب. وأبلغ بائع كتب في أكسفورد عام ١٥٢٠ أن ثلث مبيعاته كانت من أعمال أرازموس. وكان له أعداء كثيرون وبخاصة بين علماء اللاهوت في لوفان، غير أنه كان له مريدون في اثنتي عشرة جامعة، وكان هناك علماء للإنسانيات في أوربا ينادون به قدوة وزعيما. وفي ميدان الأدب كان يمثل عصر النهضة ومذهب الإيمان بالإنسان مجتمعين- عبادتهما للكلاسيات ولأسلوب لاتيني مصقول واتفاق الجنتلمان (السادة المهذبين) على ألا يختلفا مع الكنيسة وألا يزعجا أساطير الجماهير التي لا غنى عنها، على شريطة أن للكنيسة أن تغض النظر عن الحرية الفكرية لطوائف المتعلمين وتسمح بتقويم مفاسد وسخافات رجال الدين تقويما داخليا قانونيا. وقد هلل أرازموس مثل كل علماء الإنسانيات لتبوء ليو العاشر منصب البابوية، فقد تحقق حلمهم - وها هو عالم بالإنسانيات وعلامة وسيد مهذب، يمثل اتحاد النهضة والمسيحية معا، قد ارتقى أعظم العروش. وليس من شك في أنه سوف يتم تطهير سلمي للكنيسة، وينتشر التعليم، وسيحافظ الناس