مرة أخرى بأعمال حفر في الخشب مع ديرر في نورمبرج. واستقر عام ١٥٠٣ في زليجنشتادت وهناك طور في نهاية الأمر أسلوبه المتميز الناضج - رسم مناظر من الإنجيل بإحساس مرهف ومقدرة هائلة. وعينه كبير الأساقفة ألبرخت مصورا للبلاط في ماينز (١٥٠٩) ولكنه عزل جرونيفالد عندما أصر على الثناء على لوثر (١٥٢٦). وتزوج وصادفه سؤ الطالع ثم انسحب وعاش في عزلة تقبض الصدر لعلها ألقت بعض الظلال السوداء على التظليل في فنه.
ومن أروع أعماله - وربما كان أعظم أعمال التصوير الألماني - الهيكل المتعدد الثنيات الذي أعده لدير في آيزن عام ١٥١٣ ويعرض اللوح الأوسط العذراء وابنها بلون ذهبي يشع بالضياء على طريقة الفنان تورنر، على مهاد من البحار النائية، ولكن اللوح البارز الذي لا ينسى رسمت عليه صورة بشعة لصلب المسيح: تمثله وهو في النزع الأخير وقد غطت جسده الجروح والعرق الممتزج بالدم، وأطرافه تتلوى من الألم، ومريم مغشي عليها بين ذراعي القديس يوحنا، وماجدالين تتميز غضباً ويرتسم على أساريرها حزن مريب، ولا تزال هناك ألواح أخرى يمكن أن تكون في ذاتها لوحات عظيمة: جوقة من الملائكة بأسلوب قوطي في البناء المعماري تتداخل فيه الألوان الحمراء والبنية الزاهية، ولوحة مرعبة اسمها "إغواء القديس أنتوني" وصورة للقديس نفسه، وناسك في غابة تزخر بالأرواح الشريرة والأشجار التالفة، وكابوس بوشي يبدو أنه يرمز إلى أحلام أنتوني. وفي غلبة اللون والضوء والإحساس بالخط والشكل والتصور فإن هذه السورة المسرحية في المقدرة التصويرية هي ذروة التصوير الألماني القوطي قبيل انتصار الخط والمنطق في فن ديرر الذي مد يديه في اشتياق إلى إنسانية وفن عصر النهضة الإيطالي على الرغم من تشبثه بصوفية ألمانيا في العصور الوسطى.