بحيث ظل لذهن الألماني قرونا طويلة يفكر في سفر الرؤيا كما عبر عنها ديرر برسومه.
وتجاوز مرحلة حفر الخشب إلى فن يحتاج إلى مزيد من الجهد هو فن النقش، وحاول بين الفينة والفينة النقش بالحفر الإبري، كما في الصورة المظللة "العائلة المقدسة" وكان عادة يعمل بإزميل. و"سقوط الإنسان" نقش على النحاس في أشكال تليق باليونان وفي نسبة وتناسق جديرين بالإيطاليين مع ما عهد في ديرر من إسراف في رسم الحيوان والنبات، حيث نجد إن لكل وحدة تقريباً دلالة رمزية بالنسبة له ولجيله. وبرزت إناث عاريات في روعة لم يسبق لها مثيل في الفن الأماني من المعدن، وذلك في صورة "وحش البحر" و"الصراع بين الفضيلة واللذة"، بخلفية من المناظر الخلوية رسمت ببراعة.
أما الستة عشرة صورة من الحفر والتي تكون "آلام المسيح منقوشة" فإنها أقل تأثيراً من صورة "تعذيب المسيح" المحفورة على الخشب، ولكن صورة القديس ايوستاس فهي مجموعة من الرسم الحية: خمس كلاب وجواد وغابة، وحشد من الطيور وسلسلة من القلاع فوق تل، وغزال يحمل صليباً بين قرنيه، ويتوسل إلى الصياد أن يعفيه من القتل ويغريه بأن يصبح قديساً.
وبلغ ديرر في عامي ١٥١٣ و١٥١٤ الذروة كرسام في ثلاث رائعات من الحفر، فالفارس والموت والشيطان نسخة قوية من موضوع كئيب من القرون الوسطى .. فارس صارم الملامح بالدروع والسلاح، يمتطي صهوة جواد فيروكشي، تكتنفه صورة قبيحة للموت والشيطان، ومع ذلك فإنه يتقدم إلى الأمام في إصرار منتصراً للفضيلة على كل شئ، ويبدو أن أحداً لا يصدق أنه يمكن نقش صورة في المعدن بمثل هذه المبالغة والدقة في التفاصيل. فصورة القديس جيروم في قاعة درسه، توضح مرحلة أهدأ من انتصار