للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسيحي .. القديس العجوز الأصلع منحن فوق مخطوطته يكتب على ما يبدو في ضؤ هالته وعلى الأرض، ومعه في هدوء أسد وكلب، وعلى أسكفة النافذة تجثم جمجمة في سكون مبين، وما يبدو في نظر كل الناس قبعة زوجته معلقة على الحائط، وكل الحجرة مرسومة بمنظور روعيت فيه القواعد، ورسمت فيها كل الظلال وأشعة الشمس بدقة فائقة. وأخيراً فإن النقش، الذي أطلق عليه ديرر اسم "السوداء"، يكشف عن ملاك يجلس في وسط أنقاض مبنى لم يتم، وتحت قدميه خليط من الأدوات الميكانيكية والآلات العلمية، ويتدلى من منطقته كيس ومفاتيح رمزاً للثروة والسلطان، ويستند برأسه مفكراً على إحدى راحتيه، وعيناه تحملقان حولها ما في شئ من الدهشة وشئ من الفزع. أتراه يتساءل لأي غرض يبذل كل هذا الجهد، وما فائدة هذا البناء، والهدم والبناء، وهذا السعي الحثيث وراء الثروة والسلطان والجري وراء السراب الذي يسمى الحقيقة ومجد العلم هذا وبلبلة ذوي الفكر وهو يكافحون عبثا الموت المحتوم؟ وهل يمكن أن يكون ديرر في بداية العصر الحديث نفسه قد أدرك المشكلة التي واجهها العلم الظافر وهي مشكلة الوسائل التقدمية التي أساءت استخدامها الغايات التي لا تتغير؟

وهكذا دخل ديرر عصر لوثر بالرسم تلو الرسم والتصوير وراء التصوير، بدأب جهيد وصبر يختلفان عن تسويف ليوناردو وترف رافائيل، واشترى حوالي عام ١٥٠٨ البيت الذي أضفى الشهرة على نورمبرج، وقد دمر منه. وكان الطابقان فيه من الحجر، أما الطابقان الثالث والرابع فمن الخشب المكسو بالملاط، وفوق طنف بارز يجثم طابقان آخران تحت السقف الهرمي. وهناك عاش ديرر تسعة عشر عاماً في بؤس غير مفرط مع زوجته العقيم. وكانت أجنس ربة بيت بسيطة وتعجب لماذا يمضى ألبرخت هذا الوقت الطويل في دراسات لا تسمن ولا تغنى من جوع، أو مع أصدقاء يدمنون