عن أنظار العالم وعن أنظار الإمبراطور أيضاً. واقام لوثر هناك مدة تقرب من عشرة شهور (٤ مايو سنة ١٥٢١ إلى ٢٩ فبراير سنة ١٥٢٢) في غرفة مظلمة مجهزة بفراش ومنضدة وموقد وجذع شجرة يستخدم كمقعد. وكان يحرس القلعة بضعة جنود، ويعنى بالأراضي حارس، ويقوم بخدمة لوثر صبيان يعملان وصيفين له. ورأى أن من الأوفق، ولعل هذا كان من قبيل التنكر المحلي، أن يخلع مسوح الرهبان، ولبس رداء فارس، وأطلق لحيته، وأصبح وقتذاك يعرف باسم جورج النبيل الألماني الشاب، وخرج للصيد ولكنه لم يستطب قتل الارانب في الوقت الذي لا يزال فيه كثير من المناهضين للمسيحية بنجوة من القتل. وأسقمه الكسل والأرق وكثرة الطعام وشرب الجعة وأصيب بالبدانة وأخذ يسب ويلعن كما يفعل أي نبيل الماني شاب وكتب يقول:"ليتني أُحرق على جمرات ملتهبة فهذا خير لي من أن أتعفن هنا … بودي أن أخوض غمار المعركة"(٨٣). ولكن وزير فردريك نصحه بأن يظل في مخبئه لمدة عام ريثما تهدأ حماسة شارل. ومهما يكن من أمر فإن شارل لم يبذل أي جهد للعثور عليه أو لاعتقاله.
وراودت الشكوك والأوهام لوثر في خلوته الفكرية وتساءل أيمكن أن يكون على حق وأن يكون مثل هؤلاء الأحبار على ضلال؟ وهل كان من الحكمة أن يقوض دعائم عقيدة راسخة؟ وهل مبدأ الاجتهاد الشخصي نذير بنشوب الثورة والقضاء على القانون؟ إذا كنا نصدق القصة التي رواها في أخريات أيامه فإن أصواتاً غريبة كانت تزعجه … أصواتاً لم يستطع تفسيرها إلا بأنها من صنع الشياطين وأكد أنه رأى الشيطان في مناسبات عديدة وقرر أن الشيطان رجمه يوماً بالجوز (٨٤). وتذهب أسطورة مشهورة إلى أن لوثر قذفه يوماً بزجاجة حبر ولكنها أخطأته (٨٥). وكان يسلي نفسه بكتابة خطابات ناصعة العبارة لأصدقائه وأعدائه وبتأليف عجالات في علم اللاهوت وبترجمة العهد الجديد إلى الألمانية وقام في إحدى المرات برحلة خاطفة إلى فيتنبرج ليزكي نار ثورة.