للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعزف على الناي، ويبدو أنه كان يجد متعة أكبر في الساعات التي يقضيها في مهاجمة "البابويين". كان أقوى مَن عرفه التاريخ في الجدل لا يصده عنه شيء. وكانت كل كتاباته تقريباً صراعاً ممتزجاً بعبارات لاذعة تفيض سخرية وطعناً. وترك خصومه يتأنقون في اللاتينية الرفيعة بحيث لا يقرأ لهم إلا قلة من الباحثين وكان هو أيضاً يكتب باللاتينية عندما يريد مخاطبة العالم المسيحي بأسره، بيد أن الجانب الأكبر من أهاجيه الّفه بالألمانية أو كان يترجم فوراً إلى الألمانية لأن ثورته كانت وطنية ولا يبزه مؤلف ألماني آخر في وضوح ألفاظه أو قوة أسلوبه وفي مباشرة عباراته وحدتها اللاذعة وفي تشبيهاته الموفقة والتي كانت أحياناً تبعث على الإبتهاج في ألفاظ تمتد جذورها في كلام الناس وتلائم العقلية القومية.

ووافقت الطباعة أغراضه باعتبارها بدعة أرسلتها العناية الإلهية فيما يبدو فاستخدمها ببراعة لا ينضب لها معين، وكان أول مَن جعل منها آلة للدعاية والحرب ولم تكن هناك وقتذاك جرائد ولا مجلات، وكانت المعارك تذكيها الكتب والعجالات والرسائل الخاصة التي دبجت للنشر. وارتفع عدد الكتب المطبوعة، في ألمانيا من ١٥٠ عام ١٥١٨ إلى ٩٩٠ عام ١٥٢٤، وذلك بحافز من ثورة لوثر، وكانت أربعة أخماس هذه الكتب تؤيد الإصلاح الديني أما الكتب التي كانت تدافع عن العقيدة المحافظة فقد كان من الصعب أن تجد مَن يشتريها، في حين كانت مؤلفات لوثر هي أكثر الكتب رواجاً في هذا العصر، وكانت لا تباع في المكتبات فحسب بل كانت تُباع عند الباعة الجائلين والطلبة المسافرين أيضاً، وقد أحضرت ١٤٠٠ نسخة في سوق واحدة بفرانكفورت، بل إن ما بيع منها في باريس عام ١٥٢٠ فاق ما بيع من أي كتاب آخر. وفي مطلع عام ١٥١٩ صدرت لفرنسا وايطاليا واسبانيا والأراضي المنخفضة وإنجلترا. وكتب أرازموس عام ١٥٢١ يقول: "إن كتب لوثر في كل مكان وبكل لغة ولن يصدق أحد مدى تأثيره في الناس" (١٠١).