أما باعتبارهم من موظفي الدولة فيجب أن يراعوا العدالة أكثر من الرحمة لأن الإنسان منذ عصى آدم وحواء ربهما، فطر على الشر إلى حد أنه غدا في حاجة إلى حكومة وقوانين وعقوبات لكبح جماحه. إننا ندين بالاحترام للجماعة التي تتهددها الجريمة أكثر مما ندين للمجرمين الذين يهددون الجماعة.
"لو تحققت نيات الفلاحين فلن يكون هناك رجل شريف في مأمن منهم ولكن على كل مَن يملك فلساً أكثر من أي إنسان آخر أن يقاسي بسبب هذا. لقد بدأوا هذا الأمر وما كانوا ليتوقفوا هناك، لسوف يجلل العار النساء والأطفال ولسوف يتعودون أيضاً على قتل أحدهم الآخر، ولن يكون هناك سلام أو أمان في أي مكان. هل سمع أحد عن شيء لا يمكن كبح جماحه أكثر من غوغاء من الفلاحين عندما تمتلئ بطونهم ويملكون زمام السلطة؟ … إن الحمار يتلقى الضربات أما الناس فيحكمون بالقوة"(٤٥).
وقد تصدمنا اليوم عبارات لوثر المتطرفة حول حرب الفلاحين لأن النظام الاجتماعي توطد بحيث نفترض استمراره ونستطيع أن نعامل برفق هؤلاء القلائل الذين يعكرون صفوه بعنف، ولكن لوثر واجه الحقيقة القاسية وهي أن عصابات الفلاحين تحول شكاواها العادلة إلى نهب لا يفرق بين العدو والصديق وتهدد بخرق القانون وقلب الحكومة والإنتاج والتوزيع في ألمانيا. وبررت الحوادث تحذيره بأن الثورة الدينية التي خاطر من أجلها بحياته سوف تتعرض للخطر الشديد بسبب الرجعية المحافظة التي كانت مضطرة إلى أن تتبع ثورة فاشلة. وربما شعر بأنه مدين شخصياً بعض الشيء للأمراء والأشراف الذين كانوا قد أسبغوا عليه الحماية في كينبرج ورومس والفارتبورج، ولعله كان يتساءل مَن ينقذه من شارل الخامس وكليمنت السابع إذا كفت سلطة الأمراء عن حماية الإصلاح الديني، والحرية الوحيدة التي رأى إنها تستحق الكفاح من أجلها هي حرية عبادة الله والتماس الخلاص طبقاً لما يمليه ضمير المرء.