قبول كل خدمة عسكرية، وكأنهم كانوا يتنبئون بمجيء نابليون، ونددوا بكل صورة من صور الحرب، واقتصر هؤلاء اللامعمدانيون في أعمالهم على فلاحة الأرض والأعمال الصغيرة، وحافظوا على شيوعيتهم زهاء قرن تقريباً. واسبغ الأشراف من ملاّك الأراضي حمايتهم عليهم، لأنهم كانوا يثرون الضياع بكدحهم الواعي. وكانوا يقومون بالمشاركة في الزراعة، ويشتري لهم موظفو الكومون المواد اللازمة للزراعة وللحرف اليدوية، ويوزعونها عليهم ويدفع جانب من ثمن بيع المنتجات كإيجار للمالك ويوزع الباقي طبقاً لحاجة كل فرد ولم تكن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية بل البيت، وكان يحتوي على عدد يتراوح بين ٤٠٠، ٢٠٠٠ شخص وفيه مطبخ مشترك ومغسل ومدرسة ومستشفى ومعصرة للخمر يشترك فيها الجميع. وكان الأطفال بعد فطامهم يربون بلا فوارق بينهم وإن ظل تحريم تعدد الزوجات كما هو. ومنع هذا المجتمع الشيوعي بمرسوم إمبراطوري صدر عام ١٦٢٢ في حرب الثلاثين عاماً، وخُيّر أعضاؤه بين أن يعتنقوا الكاثوليكية أو ينفوا من البلاد. وذهب بعض المنفيين إلى روسيا، وذهب البعض الآخر إلى المجر ولسوف نسمع عنهم مرة أخرى.
وفي الأراضي المنخفضة بشر ملشيور هوفمان، وهو دباغ من سوابيا، بإنجيل لامعمداني لاقى نجاحاً فائقاً. وانتهى تلميذه جان ماتيس في ليدن إلى الرأي القائل بأنه لن يكون في الوسع الانتظار في أناة لمجيء أورشليم جديدة، بل يجب المبادرة إلى تحقيقها فوراً وبالقوة إذا لزم الأمر. وأوفد في أرجاء هولندة اثني عشر رسولاً لإعلان الأخبار السارة، وكان أقدرهم حائكاً صغير السن يدعى جان يويكلزون المعروف في التاريخ باسم جون الليديني وفي أوبرا ميير بير باسم (النبي). وكان، دون أن يتلقى تعليماً نظامياً، حاد الذهن خصيب الخيال وسيم الهيئة ذرب اللسان قوي الإرادة. وكتب مسرحيات أخرجها بنفسه، ونظم الشعر، وعندما وقعت في يده