دون أن تجرى له الطقوس الدينية، التي فرضتها الكنيسة، وأخذ يكرر مبتهلاً اسمي مريم والمسيح. وشيعته بازيل في جنازة تليق بأحد الأمراء، ودفن في مقبرة بالكاتدرائية. واشترك علماء الإنسانيات وأسقف المدينة في إقامة لوح حجري فوق جثمانه، ولا يوال هذا اللوح في مكانه، وقد أشادوا فيه بما اتصف به من "سعة علم لا تضارع في كل فرع من فروع المعرفة". ولم يترك في وصيته ميراثاً لأغراض دينية، ولكنه خصص مبالغ للعناية بالمرضى أو المسنين، ولتقديم صداق للفتيات الفقيرات، ولتعليم الشبان الواعدين.
ويتذبذب موقفه في الأجيال القادمة مع تذبذب هيبة عصر النهضة، فكل الطوائف تقريباً وصفته بأنه مذبذب جبان، وذلك في حماسة الثورة الدينية، واتهمه أنصار الإصلاح الديني بأنه قادهم إلى حافة الهاوية، وأغراهم بأن يقفزوا ثم لاذ بالفرار. ووصف في مجلس مدينة ترنت بأنه هرطيق فاسق، وحرمت مؤلفاته على الفقراء الكاثوليك. وفي أواخر عام ١٧٥٨ وصفه هوراس والبول بأنه "طفيلي متسول لديه من الشمائل ما يكفي لأن يتوصل إلى الحقيقة، ولكنه يفتقر إلى الشجاعة لكي يعترف بها"(١٠٩). وفي أواخر القرن التاسع عشر، عندما انقشع دخان المعركة، أسف مؤرخ بروتستانتي صائب الرأي على مفهوم أرازموس عن الإصلاح الديني، وقال:"مفهوم لعالم … سرعان ما أوقف وطرح جانباً بوسائل فظة خشنة. ومع ذلك يحق لنا أن نتساءل أما كانت، بعد كل شيء، الطريقة البطيئة هي في النهاية أكثر الطرق أمناً، وهل كان أي عامل من عوامل تقدم الإنسانية يمكن أن يكون بديلاً للثقافة على الدوام. لقد كان الإصلاح الديني في القرن السادس عشر من عمل لوثر، ولكن إذا ظهر في الأفق أي إصلاح ديني جديد … فإنه لا يمكن أن ينهض إلا على أساس مبادئ أرازموس"(١١٠). ويضيف مؤرخ كاثوليكي تقديراً يكاد يكون