الثورة الدينية عاقت هذه الوحدة، وإن لم يكن من المؤكد أنها كانت نعمة وبركة. وعندما اختير فرديناند إمبراطوراً (١٥٥٨) كانت سلطاته الإمبراطوريّة أقل من السلطات التي كان يتمتع بها حتى شارل المتعب المقيد. وترتب على هذا أن الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة لم تمت في عام ١٨٠٦، وإنما ماتت في عام ١٥٥٥.
وضاعت المُدن الألمانية، مثل الإمبراطوريّة، في غمار انتصار الأمراء. كانت المقاطعات الإمبراطوريّة تحت رعاية الإمبراطور، يحميها من سيطرة الحكام الإقليمية، أما الآن - بعد أن أصبح الإمبراطور عاجزاً، فقد صار الأمراء أحراراً في أن يتدخلوا في الشئون البلدية، وتضاءل استقلال. وفي غضون ذلك ابتلعت قوة هولندة النامية معظم التجارة، التي كانت تصب المنتجات الألمانية في بحر الشمال، عن طريق مصبات نهر الراين، وضعف شأن المُدن الجنوبية، بانحطاط تجارة البندقية والبحر الأبيض المتوسط نسبياً. وليس من شك في أن الإضعاف من شأن التجارة والسياسة يترتب عليه اضمحلال الثقافة ولم يتيسر للمُدن الألمانية، في مدى مائتي عام بعد ذلك، أن تتمتع مرة أخرى بحيوية التجارة والفكر التي سبقت عهد الإصلاح الديني وعدمته …
وعاش ميلانكتون خمس سنوات بعد صلح أوجسبورج، ولم يكن واثقاً من أنه كان يريد الإمهال. كان قد عمر أكثر من زعيمه، لا في المفاوضات مع الكثالكة فحسب، ولكن في تحديد اللاهوت البروتستانتي. كان قد حرر نفسه من لوثر من جهة رفضه التسليم بحتمية القدر كلية، وحضور المسيح بجسده في القربان المقدس (٦٠)، وجاهد في الحفاظ على أهمية الأعمال الصالحات، وإن كان قد أصر مع لوثر على أنها لا يمكن أن تحقق لصاحبها الخلاص. وثار جدل مرير بين (الفلبيين) - ميلانكتون وأتباعه - وبين اللوثريين المحافظين الذين انفجروا أساساً من ينا، وأطلق هؤلاء على ميلانكتون لقب "المملوك المارق" و "خادم الشيطان"، ووصفهم هو بأنهم