يعتنق هذا الدين عليه أن يهاجر من الإقليم. ولم يظهر أي جانب ميلاً إلى التساهل والواقع أن المبدأ، الذي أيده الإصلاح الديني في فتوة ثورته - الحق في الحكم الخاص - رفضه رفضاً باتاً زعماء البروتستانت والكاثوليك على السواء. فقد أدى ذلك المبدأ إلى تعدد الطوائف واصطدامها، إلى درجة أن الأمراء شعروا بأن لديهم ما يبرر استعادة السلطة العقيدية، حتى لو انقسمت إلى أجزاء بقدر عدد الولايات. واتفق البروتستانت وقتذاك في الرأي مع شارل والبابوات بأن وحدة العقيدة الدينية لا غنى عنها للنظام الاجتماعي والسلام، وليس في وسعنا أن نحكم عليهم حكماً عادلاً، ما لم ينكشف لأنظارنا الحقد والشقاق اللذين كانا يمزقان ألمانيا، وكانت النتائج سيئة وحسنة في آن واحد. فالتسامح وقتذاك كان، بعد الإصلاح الديني، أقل قطعاً من قبله (٥٩)، ومع ذلك فإن الأمراء أقصوا المنشقين بدلاً من أن يحرقوهم أحياء وهذه شعيرة كانت مقصورة على الساحرات. وأضعف مراكزهم جميعاً تضاعف ما نتج عن ذلك من دعاوى العصمة.
ولم يكن الانتصار الحقيقي في حرية العبادة، ولكن في الحرية التي أصبح ينعم بها الأمراء، فقد غدا كل منهم، مثل هنري الثامن ملك انجلترا، الرئيس الأعلى للكنيسة في إقليمه، وله الحق المطلق في أن يعين رجال الدين، الذين يحددون للناس العقيدة التي يتعين عليهم أن يعتنقوها. وكان المبدأ الأراستي (١) - وينص على أن الدولة يجب أن تحكم الكنيسة - قد استقر قطعاً. ولما كان الأمراء وليس علماء اللاهوت، هم الذين عملوا على انتصار البروتستانتية، فمن الطبيعي أن يجنوا ثمار هذا النصر - سيادتهم الإقليمية على الإمبراطور، وسيادتهم الكهنوتية على الكنيسة. كانت البروتستاتية هي القومية ممتدة إلى الدين، ولكن القومية لم تكن تعني قومية ألمانيا، بل كانت وطنية كل إمارة، ولم تتقدم ألمانيا خطوة نحو الوحدة، بل إن
(١) أطلق على المبدأ هذا الاسم نسبة إلى توماس أراستوس عالم اللاهوت السويسري (١٥٢٤ - ٨٣) وإن كان لا يمكن العثور عليه صراحة في أعماله.