للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان أقرب إلى القرون الوسطى من أي مفكر بين أوغسطين ودانتي. ورفض رفضاً باتاً قبول انشغال علماء الإنسانيات بأفضلية الدنيا، وحول أفكار الناس من جديد إلى العالم الآخر، بصورة كئيبة أكثر من قبل، وأنكر الإصلاح الديني في مذهب كالفن من جديد "النهضة".

وليس من شك أن لاهوتاً غير جذاب مثل هذا، يحرز رضا مئات الملايين من الناس، في سويسرة وفرنسا وسكوتلندة وإنجلترا وأمريكا الشمالية، يبدو لأول نظرة سراً غامضاً، ثم يبدو نوعاً من التجلي. ترى لماذا حارب الكالفينيون والهوجنوت والمتطهرون (البيوريتان) بمثل هذه الجرأة دفاعاً عن عجزهم؟ ولماذا أسهمت هذه النظرية الخاصة بعجز البشر في تكوين بعض الشخصيات، التي تعد من أقوى الشخصيات في التاريخ؟ فهل حدث هذا لأن هؤلاء المؤمنين اكتسبوا، من الاعتقاد بأنهم الصفوة القليلة، قوة تفوق ما فقدوه منها، بالتسليم بأن سلوكهم ليس له نصيب في تحديد مصيرهم؟ وكان كالفن نفسه خجولاً وقوي العزم في الوقت نفسه، وكان واثقاً من أنه ينتمي إلى الصفوة، ووجد في هذا عزاء وسلوى، إلى الحد الذي دفعه إلى أن يجد "الحكم المروع" للجبر "أمراً يؤدي إلى أبهج فائدة" (١٩): وهل أسعد بعض مَن اصطفوا أنفسهم أن يتدبروا في أن فئة قليلة كتب لها الخلاص، وأن الكثرة الغالبة قدر عليها العذاب؟ وليس من شك في أن الاعتقاد بأن الله قد اصطفاهم منح كثيراً من الأرواح الشجاعة لمواجهة تقلبات الحياة، والضرب فيها على غير هدى، إلى غير ما هدف ظاهر، مثل ما مكنت عقيدة مماثلة الشعب اليهودي من صيانة نفسه، وسط محن كانت كفيلة لأن تهدم إرادة الحياة. حقاً أن فكرة كالفن هي اختيار الله لبعض الناس قد يكون مديناً بها للصيغة اليهودية في لعقيدة، كما تدين البروتستانتية بالكثير للعهد القديم بصفة عامة. ولابد أن الثقة في الاختيار الإلهي كانت درعاً يبث الشجاعة في قلوب الهوجنت، لتحمل