يساير الخلق خطوة خطوة، وأن ولادة الأحياء بأسرها جريمة كبرى عقابها الموت؛ فالهندي الذي تعذبه آلاف العوامل من عثرة الحظ والآلام، يرى في تلك الألوان من التعذيب أثراً ينم عن قوة نشيطة يمتعها- فيما يظهر- أن تحطم كل ما أنتجه براهما، وهو القوة الخالقة في الطبيعة؛ إن "شيفا" ليطرب راقصاً إذا ما سمع نغمة العالم فأدرك منها عالماً لا يني يتكون وينحل ويعود إلى التكون من جديد.
ولكن كما أن الموت عقوبة الولادة، فكذلك الولادة تخييب لرجاء الموت؛ فالإله نفسه الذي يرمز للتدمير، يمثل كذلك للعقل الهندي تلك الدفعة الجارفة نحو التناسل الذي يتغلب على موت الفرد باستمرار الجنس؛ وهذه الحيوية الخلاقة الناسلة (شاكتي) التي يبديها شيفا- أو الطبيعة- تتمثل في بعض جهات الهند، وخصوصاً في البنغال، في صورة زوجة شيفا، واسمها "كالي"(بارفاتي، أو أوما أو درجا) وهي موضع عبادة في عقيدة من العقائد الكثيرة التي تأخذ بمذهب "الشاكتي" هذا؛ ولقد كانت هذه العبادة- حتى القرن الماضي- وحشية الطقوس كثيراً ما تتضمن في شعائرها تضحية بشرية، لكن الآلهة اكتفت بعدئذ بضحايا الماعز (١٧)؛ وهذه الآلهة صورتها عند عامة الناس شبح أسود بفم مفغور ولسان متدل، تزدان بالأفاعي وترقص على جثة ميتة؛ وأقراطها رجال موتى، وعقدها سلسلة من جماجم، ووجهها وثدياها تلطخها الدماء (١٨) ومن أيديها الأربعة يدان تحملان سيفاً ورأساً مبتوراً، وأما اليدان الأخريان فممدودتان رحمة وحماية؛ لأن "كالي- بارفالي" هي كذلك الإله الأمومة كما أنها عروس الدمار والموت؛ وفي وسعها أن تكون رقيقة الحاشية كما في وسعها أن تكون قاسية، وفي مقدورها أن تبتسم كما في مقدورها أن تقتل؛ ولعلها كانت ذات يوم إلهة أماً في سومر، ومن ثم جاءت إلى الهند قبل أن تتخذ هذا الجانب البشع من جانبيها (١٩) ولاشك أنها هي وزوجها قد اتخذا أبشع صورة ممكنة لكي يلقيا الرعب في نفوس الرعاديد من