استحياء لملاقاتها عند أبواب المدينة، وهي تتساءل على تتمسك ضدها بالشتائم التي تعرضت لها باسم اليزابث. ولكن ماري حيتها بقبلة حارة وقبلت جميع السيدات المرافقات لأختها غير الشقيقة. وكانت إنجلترا سعيدة كما كانت عندما ارتقى العرش هنري الثامن وهو شاب وسيم كريم.
كانت ماري وقتذاك في السابعة والثلاثين من عمرها، وكان الزمن القاسي قد ترك على وجهها خطوطاً تنذر بالذبول. وقلما مرت بها سنة كاملة دون أن تصاب بمرض خطير. وكانت تشكو من الاستسقاء وسوء الهضم ونوبات صداع تحطم الرأس، وعولجت مراراً بالحجامة مما تركها عصبية شاحبة. وأدى تكرار انقطاع الطمث عنها إلى استغراقها أحياناً في حزن هستيري مصحوب بخوف من آلا تحمل أبداً (٢٧). وكان جسدها وقتذاك نحيلاً هزيلاً وجبينها ممتلئاً بالتجاعيد وشعرها المائل للاحمرار تتخلله شعرات بيضاء وعيناها ضعيفتين جداً إلى حد أنها لم تكن تستطيع القراءة إلا إذا أمسكت بالصحيفة قرب وجهها. وكانت تقاطيعها واضحة، تكاد تشبه تقاطيع الرجال، وكان صوتها عميقاً كصوت الرجل، وقد وهبتها الحياة كل ما فيها من وهن وحرمتها من المفاتن ومن الأنوثة. وكانت لديها بعض المواهب الأنثوية، فكانت تحيك في جلد وتطرز بمهارة وتعزف على العود، وأضافت إلى هذه المواهب معرفة باللغات الأسبانيّة واللاتينية والإيطالية والفرنسية. وكان يمكن أن تكون امرأة صالحة لو لم تلحقها لعنة اليقين اللاهوتي والسلطة الملكية. وكانت أمينة إلى درجة البساطة، عاجزة في مجال الدبلوماسية ومتلهفة إلى درجة يرثى لها لأن تحب وتكون محبوبة. وكانت تتعرض لسورات غضب ولها لسان سليط. وكانت عنيدة ولكنها لم تكن متكبرة، وأدركت قصور قدراتها الذهنية وأصاخت السمع للنصيحة في تواضع. ولم تكن تلين لها قناة إذا كان الأمر يتعلق بعقيدتها فحسب، وفي غير هذه الحالة كانت حليمة حنوناً وحرة الفكر مع التعساء، وتواقة إلى رفع الحيف الذي تسببت فيه