بالأحكام باعتبارها مخالفة للروح المعتدلة والمتسامحة التي حث عليها المسيح (٥٨) مراراً وتكراراً. وأوقف بونر الأحكام لمدة خمسة أسابيع، ثم أمر بتنفيذها، واعتقد أنه كان رقيقاً متساهلاً، والحق أن مجلس الملكة أنبه يوماً لأنه لا يظهر حماسة كافية في مطاردة الهرطقة (٥٩). وعرض على كل هرطيق منحه عفواً كاملاً إذا ارتد عما يقول، وكثيراً ما أضاف وعداً بتقديم مساعدة مالية أو عمل صريح (٦٠)، ولكن عندما كانت هذه الإغراءات تفشل كان يجيز الحكم بشراسة، وكانت توضع عادة حقيبة ممتلئة بالبارود بين ساقي المحكوم عليه حتى تؤدي ألسنة اللهب إلى موت سريع، ولكن الخشب احترق ببطيء في حالة هوبر، وخاب أثر البارود فلم ينفجر، وقاسى الأسقف السابق آلاماً استمرت ساعة تقريباً.
وكان معظم الشهداء عمالاً بسطاء تعلموا تلاوة الكتاب المقدس وشجعوا على العمل بالتفسير البروتستانتي له إبان الحكم السابق. ولعل المضطهدين رأوا أن من العدل استدعاء رجال الدين الذين بذلوا الجهد لتحفيظ مبادئ العقيدة البروتستانتية، ليشهدوا لها بالاستشهاد، وفي سبتمبر سنة ١٥٥٥ أحضر كرانمر وعمره ستة وستون عاماً، وريدلي وعمره خمسة وستون عاماً، ولاتيمر، البالغ من العمر ثمانين عاماً، من سجن البرج ليقفوا للمحاكمة في أكسفورد. وكان لاتيمر قد لطخ صفحة حياته البليغة بالموافقة على إحراق المنكرين للتعميد والفرنسسكان العنيدين في عهد هنري الثامن. وكان ريدلي قد أيد بنشاط اغتصاب جين جراي للعرش، ووصف ماري بأنها ابنة سفاح وساعد في خلع بونر وجاردنر من كرسيهما الأسقفيين.
وكان كرانمر الرأس المفكر للإصلاح الديني الإنجليزي، فقد أحل زواج هنري وكاثرين، وزوج هنري من آن بولين، واستبدل بالقداس كتاب الصلاة العامة، واضطهد فريث ولامبرت وغيرهما من الكثالكة،