للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الطبيعية ماراً بالخطوات الطبيعية يعود إلى الانحلال، وفناء العالم كله لا يقل في يقينه عن موت فأر؛ وليس هناك غاية نهائية يتحرك كله في نظر الفيلسوف بأخطر من موت الفأر؛ وليس هناك غاية نهائية يتحرك نحوها الكون، أي ليس هناك "تقدم" بل كل ما هناك تكرار لا ينتهي (٣٣).

وحدث إبان هذه العصور صغراها أن تحولت بلايين الأنفس من نوع إلى نوع ومن جسم إلى جسم ومن حياة إلى حياة في دورات من التناسخ تبعث الملل لتكرارها؛ فليس الفرد فرداً في حقيقة أمره، وإنما هو حلقة في سلسلة الحياة، وصفحة واحدة من تاريخ نفس من الأنفس؛ والنوع من الأحياء ليس في حقيقة أمره نوعاً قائماً بذاته، لأن الأنفس الحالّة في هذه الزهور أو هذه البراغيث ربما كانت أمس، أو ربما تكون غداً، أرواحاً من أرواح البشر؛ فالحياة كلها واحدة؛ وإذن فالإنسان إن هو إلا إنسان إلى حد ما؛ لأنه كذلك حيوان، ولا تزال عالقة به نتف وأصداء من حيواته الدنيا الماضية، مما يجعله أقرب صلة بالحيوان منه إلى الحكيم من الناس؛ إن الإنسان جزء من طبيعة لا أكثر، فليس هو من هذه الطبيعة مركزها ولا سيدها (٣٤)، والحياة الواحدة في الفرد ليست إلا فصلاً واحداً من سيرة نفس واحدة، وليست هي كل ما تتألف منه هذه النفس؛ فكل صورة من صور الأحياء مصيرها التغير، وأما الحقيقة فدائمة وواحدة؛ والأبدان الكثيرة التي تحل فيها النفس واحداً بعد واحد، شبيه بالأعوام أو بالأيام في حياة الفرد الواحد، وقد تعلو بالنفس نحو النماء حيناً أو قد تهبط بها نحو الذبول حيناً آخر؛ فكيف يمكن لحياة الفرد الواحد، وهي على هذه الحالة من القصر في تيار الأجيال المتعاقبة العنيف الجارف، فكيف يمكن أن تشتمل على كل ما للنفس الفردة من تاريخ، أو أن تهيئ لها ما هي جديرة به من