للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عقاب أو ثواب على شرها أو خيرها؟ وإذا فرضنا للنفس خلوداً، فكيف يجوز لحياة واحدة قصيرة أن تقرر مصيرها إلى الأبد؟ (١)

يقول الهندي إن الحياة لا يمكن فهمها إلا على افتراض أن كل مرحلة من مراحل وجود النفس تعاني العذاب أو تتمتع بالثواب، جزاء وفاقاً لما وقع من النفس في حياة ماضية من رذيلة أو فضيلة؛ إذ يستحيل على فعل صغير أو كبير، خير أو شرير، أن يمضى بغير أثر؛ إن كل شئ لا بد له من أثر يظهر ذات يوم، ذلك هو قانون "كارما"- ومعناه قانون الفعل- أو قانون السببية في دنيا الروح، وهو أسمى قوانين العالم وأبشعها؛ فإذا أقام إنسان العدل، وكان رحيماً دون أن يقترف خطيئة، فيستحيل أن يجيء جزاؤه في مرحلة واحدة فانية من مراحل الحياة، بل يمتد نطاقه إلى حيوات أخرى يولد فيها ليكون ذا مكانة أعلى وحظ أوفر، لو ظل على فضيلته الأولى؛ أما إن عاش حياته عيش الرذيلة، أعيدت ولادته في حياة تالية منبوذاً أو ابن عِرْس أو كلباً (٢)، وقانون "كارما" هذا- مثل قانون القَدَر عند اليونان- هو فوق الآلهة والبشر معاً لأن الآلهة أنفسهم لا يستطيعون تغيير سننه التي يطّرد فعلها؛ أو إن شئت فقل ما قاله رجال اللاهوت، وهو أن "كارما" وإرادة الآلهة أو فعلها، شيء واحد بذاته (٣٨)، لكن ليس "كارما" و "القدر" بشيء واحد، لأن "القدر" يتضمن عجز الإنسان عن تقرير مصير نفسه، أما "كارما" فتجعل الإنسان (إذا أخذنا كل حيواته جملة واحدة) خالق مصير نفسه؛ وليست الجنة والجحيم بخاتمة ينتهي عندها فعل "كارما"، وهو سلسلة الولادات والميتات؛ نعم إن الروح بعد موت جسدها، يجوز


(١) إذا سئل الهندي: لماذا لا نتذكر ما مر بنفوسنا وهي في أبدانها السابقة، أجاب بأننا كذلك لا نتذكر حوادث الطفولة الأولى؛ فكما أننا لا نعلل مرحلة رشدنا إلا على أساس مرحلة الطفولة، فكذلك لا يمكن تفسير موضعنا ونصيبنا من هذه الحياة الحاضرة إلا على أساس حيوات النفس الماضية.
(٢) قد علل أحد الرهبان شهيته بأنه في حياة سابقة لروحه كان فيلاًً، ثم نسي "كارما" أن يغير شهيته ما غير بدنه (٣٦)، ويعتقدون أن المرأة ذات الرائحة القوية كانت فيما مضى سمكة