للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتقدمنا وسرعة سيرنا؛ لم يفهم الشرق من الغرب هذا الانغماس العميق في سطوح دون لبابها، ولا هذا الرفض الماكر منه أن يواجه حقائق الوجود مواجهة صريحة؛ لكن الغرب في الوقت نفسه لم يستطع أن يسبر في الشرق التقليدي أغوار هذا السكون الهامد، ولا هذا "الركود" و "اليأس"؛ إلا أن الحرارة لا تفهم البرودة.

"ياما" يوجه السؤال إلى "يودشتيرا" قائلاً: "ما أعجب شئ في العالم؟ " فيجيبه "يودشتيرا": "أن يموت الإنسان في أثر الإنسان، وأن يرى الناس ذلك ثم ينطلق في سعيهم كأنهم من الخالدين" (٤٤) وجاء في "الماهابهاراتا": "العالم مصاب بكارثة الموت، ومقيد في نشاطه بالشيخوخة، والليالي متتابعات، تأتي ثم تمضي، لا تتخلف أبداً؛ فإذا ما أيقنت أن الموت يستحيل عليه الوقوف، فماذا أرتجي من السير تحت غطاء من الحكمة" (٤٥)؛ وتدعو "سيتا" في "رامايانا" لما رأت أن ثوابها على وفائها رغم ما يصادفها من إغراء ومحنة هو الموت ولا شئ غير الموت، تدعو قائلة:

لو كنت بوفائي لزوجي قد برهنت على أني زوجة أمينة.

فيا أمنا الأرض أريحي ابنتك "سيتا" من أعباء هذه الحياة (٤٦).

وهكذا ترى الكلمة الأخيرة في التفكير الديني عند الهنود هي ما يسمونه "فكشا" ومعناها الخلاص- الخلاص أولاً من الشهوة، ثم الخلاص من الحياة؛ والنرفانا هي هذا الخلاص أو ذاك، لكنها لا تبلغ غاية أمدها إلا إذا تحقق الخلاصان معاً؛ ولقد عبر الحكيم "بهارتري- هاري" عن الخلاص الأول فقال:

"إن كل شئ على الأرض يبرر الخوف، والطريق الوحيدة للخلاص من الخوف هي في إنكار الشهوات إنكاراً تاماً … لقد مضى على عهد كانت تطول فيه أيامي حين كان سؤال الحسنة من الأغنياء يثخن في قلبي أليم الجراح؛ ثم بدت أيامي قصيرة كل القصر حين جعلت أسعى نحو تحقيق كل رغباتي وغاياتي