على الحزن والألم شيئاً من المعنى وقدراً من القيمة؛ فللروح- بناء على اللاهوت الهندي- هذا العزاء على الأقل، وهو أنها لا بد لها أن تتحمل نتائج فعلها وحدها دون أفعال سواها؛ فما لم تضجر الروح من الوجود كله جملة واحدة، فستجد نفسها راضية عن الشر باعتباره عقاباً عابراً مؤقتاً، وسترقب تحقيق آمالها في ثوابها على ما أتت من فضيلة.
لكن الهنود في حقيقة الأمر يرتابون في قيمة الوجود كله جملة واحدة؛ ذلك أنه لما كانت البيئة ترهق قواهم إرهاقا، ولما كان الحاكم يذل قوميتهم إذلالاً، ويستغل مواردهم استغلالاً، فقد مالوا إلى النظر إلى الحياة على أنها عقوبة مُرة أكثر منها فرصة سانحة أو ثواباً يرتجى؛ فكتب الفيدا التي كتبها القوم وهم أشداء عند قومهم من الشمال، كانت في تفاؤلها لا تقل عما يكتبه اليوم أديبنا "وتمن"؛ ومضت خمسمائة عام، وظهر بوذا من هؤلاء القوم أنفسهم، لكنه أنكر قيمة الحياة؛ ثم مضت خمسة قرون أخرى، وظهرت كتب " بيورانا " فعبرت عن نظرة بلغت في تشاؤمهما حداً لم يبلغه متشائم في الغرب، إذا استثنينا لحظات شرودا من الشك الفلسفي (١)؛ لقد تعذر على الشرق- حتى تناوله أطراف الثورة الصناعية- أن يفهم هذه الحماسة التي يقبل بها الغرب على الحياة، ولم يجد إلا سذاجة وطفولة في مشاغلنا التي لا تعرف الرحمة، ومطامعنا التي لا تقنع، ورسائلنا التي تحطم الأعصاب وتوفر العمل،
(١) أرجع شوبنهور- مثل بوذا- كل آلام الحياة والنسل، وبشر بانتحار الجنس كله انتحاراً تكون وسيلته العقم نصطنعه اختيارا؛ كذلك "هيني" لم يكد يكتب مقطوعة واحدة من شعره دون أن يتحدث فيها عن الموت؛ واستطاع أن يكتب في روح هندية هذين السطرين: النعاس حلو، لكن الموت أحلى، وأحلى من كل حلو ألا يولد الإنسان أبداً. وازدرى "كانت" تفاؤل ليبنتز، وكتب متسائلاً": "هل يمكن لأي إنسان سليم العقل عاش من أعوامه ما يكفي ليفهم ويتأمل في قيمة الحياة البشرية، هل يمكن لهذا الإنسان أن يرضى أن تعاد عليه فصول الحياة في روايتها الهزيلة، لا أقول بنفس الظروف التي شهدها هو في حياته، بل بأي ظروف يشاء؟ ".