تنحيه عن العرش صباح كل يوم، ولكن حتى أعضاء المجلس أنفسهم أصبحوا الآن يؤثرونه على أبنائه. وعاش إيفان ثلاث سنين بعد ذلك، ثم أصابه مرض غريب، جعل جسمه يتورم وتنبعث منه رائحة منتنة. وفي ١٨ مارس ١٥٨٤ قضى نحبه وهو يلعب الشطرنج مع بوريس جودونوف، وتناثرت الاشاعات تتهم بوريس بأنه دس له السم، واعد المسرح لأوبرا عظيمة في تاريخ القياصرة.
ويجدر بنا ألا نظن أن إيفان الرابع كان مجرد غول متوحش. ونظراً لطول قامته وقوته كان يمكن أن يكون وسيماً، لولا أنفه العريض المسطح الذي كان يعلو شارباً منتشراً ولحية كثة حمراء. لقد ترجمت خطأ لفظة Groznyi بلفظة الرهيب Terrible والأرجح أنها تعني "المرعب" Awesome، مثل لفظة أغسطس التي أطلقت على القياصرة (الرومان). وقد أطلق على إيفان الثالث نفس اللقب كذلك. وفي نظرنا، وحتى في نظر معاصريه القساة، كان إيفان الرابع قاسياً تواقاً إلى الانتقام بشكل يدعو إلى الاشمئزاز، وقاضياً لا يستشعر الرحمة. لقد عاصر محاكم التفتيش في أسبانيا، وإحراق سرفيتس (١)، وعادة هنري الثامن في ضرب العنق، واضطهاد الملكة ماري، ومذبحة سانت برثلميو. ويقال إنه عندما سمع بهذه المذبحة أنكر همجية الغرب (١٩)(ولو أن أحد البابوات رحب بالمذبحة وامتدحها). لقد كان ثمة أشياء تثير غيظه وحنقه، وتذكى النار في مزاج سريع الانفعال أكسبته الوراثة والبيئة عنفاً. ويقول شاهد عيان إنه كان في بعض الأحيان "يرغى من فمه - كما يفعل الحصان"(٢٠) نتيجة مضايقة صغيرة أو انزعاج يسير. ولقد اعترف القيصر بخطاياه وجرائمه بل بالغ فيها أحياناً ولم يكن على أعدائه إلا أن ينتحلوا منها اتهاماتهم له.
(١) Servetus ١٥١١، ١٥٥٣ طبيب وعالم لاهوت أسباني أحرق وهو مشدود إلى خازوق في جنيف لاتهامه بالزندقة.