أطلق على كل من حفظ القرآن كله - مثل شاعرنا - ولم يعرف تاريخ ميلاده، وأبواه غير معرفين. وسرعان ما أقبل على الشعر. وكان أول من رعى الشاعر واحتضنه هو "أبو إسحق " الذي عينه غازان خان حاكماً على جنوب إيران. وأولع أبو إسحق بالشعر أيما ولع، وأهمل شئون الحكومة. ولما جاءه النذير بأن بعض القوات المعادية تعد العدة لمهاجمة عاصمة "شيراز"، قال إنه لسفيه ذلك الرجل الذي يضيع مثل هذا الربيع الجميل في الحرب، ولكن قائداً متلبد الشعور هو "مبارز الدين محمد بن المظفر" استولى على شيراز وقتل أبا إسحق (١٣٥٢)، وحرم شرب الخمر وأغلق كل حانة في المدينة. وفي هذا كتب حافظ مرثية حزينة قال فيها:
"ولو أن الخمر تبعث السرور، والريح تنشر أريج الورود،
لا تشربوا الخمر على أنغام القيثارة لأن المحتسب يقظ،
وخبئوا الطاس في أكمام عباءاتهم المرقعة،
لأن الزمن يسفك الدماء، كما ينسكب الخمر من عين الإبريق الدامعة،
واغسلوا بدموعكم ما تلطخ بالخمر من أرديتكم
لأن هذا موسم الورع وزمن التقشف والتعفف" (٧).
ولما وجد خليفة ابن المظفر أن تحريم الخمر أمر غير عملي، أو تبين أن شاربي الخمر أسلس قياداً وأيسر حكماً من المتطهرين المتزمتين، أعاد فتح أبواب الحانات، وخلد حافظ اسمه.
وسار شاعرنا على تقاليد الفرس في نظم من القصائد في الخمر، واعتبر في بعض الأحيان أن زجاجة من الخمر "تسمو على تقبيل العذارى"(٨)، ولكن حتى الكروم تجف وتذوى بعد ألف مقطع من الشعر، وسرعان ما تبين حافظ أن الحب، عذرياً كان أو عملياً، لا يستغنى عنه الشعر.