وفي ظلمة الليل حاولت أن أطلق قلبي من رباط غدائر شعرك
ولكني أحسست بلمسات خدك ورشفت رحيق شفتيك، وضممتك
إلى صدري. ولفني شعرك وكأنه لهب. وألصقت شفتي
بشفتيك، وأسلمت قلبي ونفسي لك كأنهما فدية (١٣).
وكان حافظ إحدى النفوس الموهوبة الصادية المنهوكة، التي تستجيب وتتأثر - عن
طريق الفن والشعر والمحاكاة والرغبة شبه اللاواعية، تستجيب وتتأثر بالجمال إلى حد الرغبة في عبادته، فترغب بالعينين وبالألفاظ وبأطراف الأنامل، أن تعبد أي شكل جميل، سواء كان نحتاً على حجر أو رسماً أو آدمياً أو زهرة، ونعاني في صمت مكبوت كلما ألم بها الجمال. ولكن هذه النفوس أيضاً تجد فيما تفاجأ به كل يوم من فتنة أو سمو أو جمال جديد، بعض المغفرة لقصر عمر الجمال ولسلطان الموت. ولذلك خلط حافظ التجديف بالعبادة، وانساق في هرطقة غاضبة حتى في الوقت الذي كان فيه يثنى على "الواحد الأحد الخالد" وهو المصدر الذي يفيض منه كل جمال على الأرض.
والتمس كثير من الناس أن يضفوا عليه احتراماً ووقاراً، بتفسير خمرة بأنها نشوة روحية، وحاناته بأنها أديار، ولهبه بأنها "النار المقدسة". صحيح أنه أصبح متصوفاً وشيخاً، وارتدى ملابس الدراويش، ونظم قصائد صوفية غامضة، ولكن معبوداته الحقيقية كانت الخمر والنساء والغناء، وبدأت حركة لمحاكمته بوصفه زنديقاً كافراً، ولكن أفلت منها بالتوسل بأن قصائد الهرطقة كان يقصد بها أن يعبر عن آراء المسيحيين، لا عن آرائه هو. ومع ذلك كتب يقول:
"أيها التحمس، لا تظن أنك بمنجاة من خطيئة الكبرياء،
فليس الفرق بين المسجد وكنيسة الكفار سوى الغرور" (١٤).