للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لسكر والفلفل. وفرضوا في الإسكندرية رسوماً باهظة على تجارة أوربا مع الهند، مما دعا تجار الغرب إلى البحث عن طريق إلى الهند حول أفريقية. وخسرت مصر على مدى جيل بعد رحلة فاسكوداجاما (١٤٩٨) كثيراً من نصيبها الذي كان يوماً هائلاً، من التجارة بين الشرق والغرب، وأوقعت هذه الكارثة الاقتصادية البلاد في حالة من الفقر المدقع إلى درجة أن السلطان سليم الأول لم يلق إلا مقاومة ضعيفة، حين أنهى حكم المماليك، وجعل من مصر ولاية عثمانية.

وظلت القاهرة من ١٢٥٨ حتى ١٤٥٣ أجل وأزهى مدن العالم الإسلامي وأكثرها ازدحاماً بالسكان. ووصفها ابن بطوطة وصفاً رائعاً في ١٣٢٦، وقال عنها ابن خلدون الذي زارها ١٣٨٣ إنها "عاصمة الكون، جنة الدنيا، مكتظة بجميع أجناس البشر، عرش الملكية، مدينة ازدانت بالقصور والدور الفخمة والرهبنات والأديار والكليات، مضيئة بنجوم العلم والمعرفة، جنة يرويها النيل حتى ليبدو أن الأرض تقدم ثمارها إلى الناس على سبيل الهدية والتحية" (٣٠) - وربما كان الفلاحون المنهوكون يعترضون على هذا.

وعكست مساجد مصر في ذاك العصر قساوة الحكم أكثر مما عكست ألوان السماء. فلم يكن هنا إيوانات أو بوابات من الطوب المصقول أو القرميد الملون، كما كان الحال في آسيا الإسلامية، بل كانت جدران حجرية ضخمة جعلت من المسجد قلعة أكثر منه بيتاً للعبادة. وكان مسجد السلطان حسن (١٣٥٦ - ١٣٦٣) عجيبة عصره، ولا يزال أفخم آثار الفن المملوكي. وذهب المقريزي المؤرخ إلى أنه "فاق كل ما بنى من مساجد (٣١) " ولكنه كان قاهرياً محباً لوطنه. وتروى أسطورة غير مؤكدة كيف أن السلطان جمع مشاهير المهندسين من بلاد كثيرة، وطلب إليهم أن يذكروا له أعلى صرح على البسيطة، وأمرهم بأن يشيدوا صرحاً أعلى منه، فذكروا له قصر خسرو الأول في مدينة طيسفون (مدينة بابلية على نهر دجلة) الذي يرتفع الجزء الباقي من مدخله ١٠٥ من الأقدام فوق سطح الأرض. فبنى العمال