جدران المسجد الجديد، بعد أن سرقوا حجارة الأهرام المتهدمة، على ارتفاع مائة قدم، وزادوا فوقها إفريزاً (كورنيش) بارتفاع ١٣ قدماً وشيدوا في أحد الأركان مئذنة بارتفاع ٢٨٠ قدماً. وإن هذا المبنى الشاهق ليترك انطباعاً في نفوس الغربيين، ولكنه قل أن يسر الناظرين منهم. ومهما يكن من شيء فإن أهل القاهرة كانوا فخورين به، إلى حد أنهم ابتدعوا أو استعاروا خرافة تقول بأن السلطان قطع يد المهندس حتى لا يصمم تحفة رائعة تضارع هذه، وكأن المهندس يصمم بيده وكانت مساجد المقابر أكثر فتنة وجذباً للأنظار، رغم الغرض الذي بينت من أجله، وقد بناها سلاطين المماليك خارج أسوار القاهرة لتضم رفاتهم. من ذلك أن السلطان الظاهر برقوق الذي بدأ حياته عبداً شركسياً، انتهى أمره في مجد صامت، راقداً في مقبرة من أفخم هذه المقابر.
وكان قايتباى أعظم البناة بين المماليك البرجية، فبالرغم من أن الحرب مع الأتراك أنهكته، فقد دبر الأموال لتشييد المباني النفيسة في مكة والمدينة والقدس، وجدد في القاهرة قلعة صلاح الدين والجامع الأزهر، وبنى داخل العاصمة مسجداً ذا زخارف منسقة. وتوج قايتباى أعماله في أخريات أيامه، بمسجد تذكاري من الجرانيت والرخام، ذي زخرفة رائعة ومئذنة عالية ذات شرفات، وقبة مزينة بنقوش هندسية، مما جعل هذا المسجد مأثرة من المآثر الأقل قيمة للفن الإسلامي.
وانتشرت الفنون الصغيرة في عهد المماليك. وصنع النقاشون على العاج والعظام والخشب ألفاً من المنتجات الجميلة، من صناديق الأقلام إلى المنابر، وهي منتجات كان يتخيلها الذوق، ويقوم على تنفيذها العمل المتواصل والمهارة. وحسبك في هذا أن تلقي نظرة على منبر مسجد قايتباى خارج أسوار المدينة في متحف فكتوريا وألبرت. وبلغ التطعيم بالذهب والفضة