جديد. وخلعه ابنه سليم على العرش (١٥١٢) ولم يلبث بايزيد أن مات، وقيل إنه مات مسموماً.
إن التاريخ، من بعض الوجوه، ليس إلا تعاقباً لموضوعات متعارضة، فإن الطباع والأشكال السائدة في عصر ينكرها ويبرأ منها العصر الذي يليه، والذي يضيق ذرعاً بالتقاليد، ويتحرق لهفاً إلى التجديد: فالكلاسيكية تنجب الرومانتيكية، وهذه تلد الواقعية، وهذه تأتي بالتأثرية، كما تدعو فترة إلى الحرب العدوانية. فقد ازدرى سليم الأول بسياسة السلم التي انتهجها والده. وكان سليم قوى الجسم قوى الإرادة، عزوفاً عن المسرات وأسباب المتعة، ولوعا بالصيد والقنص وحياة المعسكر، واستحق لقب "العبوس" لأنه شنق تسعة من ذوى قرباه منعاً لأية فتنة أو تمرد، وشن الحرب تلو الحرب من أجل الفتح والغزو. ولم تزعجه إغارة إسماعيل الصفوي شاه فارس على الحدود التركية. فقطع سليم على نفسه عهداً بأن يشيد ثلاثة مساجد ضخمة في القدس، وبودا وروما، إذا من الله عليه بالنصر على الفرس (٣٦). وإذ أثار النعرة الدينية في شعبه إلى حد القتال. فإنه تقدم نحو إسماعيل، واستولى على تبريز، وجعل من شمالي أرض الجزيرة ولاية عثمانية. وفي ١٥١٥ حول مدافعه ورجاله الانكشارية إلى المماليك، وضم سوريا وبلاد العرب ومصر إلى مملكته (١٥١٧). وحمل من القاهرة إلى القسطنطينية أسيراً مكرماً هو "خليفة المسلمين"وهو أكبر مقام ديني عند المسلمين. وأصبح سلاطين العثمانيين بعد ذلك - مثل هنري الثامن - أصحاب السلطة الدينية كما كانوا أصحاب السلطة الزمنية (سادة الدين والدولة).
وفي أوج مجد قواته وعظمتها، جهز سليم لغزو رودس والعالم المسيحي. فلما تمت كل الاستعدادات، أصيب بالطاعون فقضى عليه (١٥٢٠). وأمر ليو العاشر الذي كان قد ارتعد فرقاً لنقدم سليم أكثر مما ارتعد لظهور مارتن لوثر - أمر الكنائس المسيحية بإقامة الصلوات شكراً لله.