ولطخ انتصاراته بالمذابح غير الضرورية. وكان يتسم في مفاوضاته واستراتيجيته بدهاء الشرق. وسئل يوماً عن خططه فأجاب:"لو أن شعرة من لحيتي عرفت لانتزعتها"(٣٥). وتحدث السلطان بخمس لغات، وكان واسع الاطلاع في عديد من الآداب، بارعاً في الرياضيات والهندسة ورعى الفنون، وأجرى معاشات على ثلاثين شاعراً عثمانياً، وبعث بالهدايا الملكية إلى شعراء في فارس والهند. وجاء بعده في المرتبة الثانية كنصير للأدب والفن وزيره الأكبر محمود باشا، فأعان هو وسيده كثيراً من الكليات والمؤسسات الدينية، حتى أطلق على السلطان "أبو الأعمال الخيرية". وكان محمد أيضاً "أبا الانتصارات". فقد خرت القسطنطينية له ولمدافعه، وبفضل مدافعه أصبح البحر الأسود بحيرة عثمانية، وأمام جيوشه ودبلوماسيته وقعت دول البلقان في أسر العبودية. ولكن هذا الفاتح الذي لا يقاوم، لم يتغلب على نفسه أو يكبح جماحها، فما أن بلغ الخمسين حتى كان قد أنهك قواه بكل ألوان الإفراط الجنسي، ولم تجد العقاقير نفعاً في تجديد حيويته، حتى أدرجه حريمه آخر الأمر في عداد الأموات. وقضى نحبه في سن الواحدة والخمسين في اللحظة التي بدا فيها أن جيشه على وشك غزو إيطاليا وضمها إلى العالم الإسلامي.
وأدى النزاع بين أبنائه إلى تولى بايزيد الثاني العرش. ولم يكن بالسلطان الجديد نزوع إلى الحرب، ولكن عندما استولت البندقية على قبرص وتحدت سيطرة الأتراك على شرق البحر المتوسط، أفاق السلطان وضلل مخادعيه بميثاق للسلام، حتى بنى أسطولاً من ٢٧٠ سفينة ودمر أسطول البندقية بعيداً عن شواطئ اليونان. وأغار جيش تركي على شمال إيطاليا حتى وصل غرباً إلى فيشنتزا (١٥٠٢). فتوسلت البندقية لعقد الصلح ومنحها بايزيد شروطاً سخية، ثم ركن إلى الشعر والفلسفة من