واعتقاداً منه بأنه أول من كتب التاريخ بهذه الطريقة، فإنه يسأل القارئ الصفح عن أية أخطاء لم يكن في الإمكان تجنيها فيقول:
"وأنا من بعدها موقن بالقصور بين أهل العصور، معترف
بالعجز عن المضاء في هذا القضاء، راغب من أهل اليد البيضاء،
والمعارف المتسعة الفضاء، في النظر بعين الانتقاد، لا بعين
الارتضاء، والتغمد لما يعثرون عليه بالإصلاح والإغضاء.
فالبضاعة بين أهل العلم مزجاة والاعتراف من اللوم منجاة،
والحسنى من الإخوان مرتجاة. والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة
لوجهه الكريم، وهو حسبي ونعم الوكيل" (٥٨).
(المصدر السابق، ص ١٠)
ثم هو يأمل في أن يكون كتابه هذا عوناً على الأيام الحالكة التي تنبأ بها:
وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله،
وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة، وعالم
محدث. فاحتاج لهذا العهد من يدون أحوال الخليفة والآفاق
وأجيالها، والعوائد والنحل لأهلها، ويقفو مسلك المسعودى
لعصره، ليكون أصلاً يقتدي به من يأتي من المؤرخين من بعده (٥٩) ".
(المصدر السابق، ص ٣١).
ويخصص ابن خلدون بعض صفحات يملؤها الزهو والفخر، يشير فيها إلى أخطاء بعض المؤرخين. ويحس بأنهم ضلوا في مجرد ترتيب الأحداث ترتيباً زمنياً، وقل أن ارتفعوا إلى مستوى إيضاح الأسباب والنتائج. وتقبلوا الخرافة بمثل الارتياح الذي تقبلوا به الحقيقة تقريباً، وقدموا إحصاءات مبالغ فيها، وفسروا أشياء كثيرة جداً بقوى خارقة