للطبيعة، أما بالنسبة له، فهو يعتزم أن يعول كلية على العوامل الطبيعية في تفسير الحوادث. ولسوف يحكم على ما يكتبه المؤرخون في ضوء التجارب الراهنة للجنس البشري، ويرفض أي حدث مزعوم يعتبر الآن مستحيل الوقوع. فإن التجربة يجب أن تفصل في صحة التقاليد أو فسادها (٦٠). وكان منهجه في "المقدمة" هو أن يعالج أولاً فلسفة التاريخ، ثم يتناول أشغال الناس ومهمتهم وبراعاتهم، وأخيراً يعرض لتاريخ العلوم والفنون، وهو يدون في مجلدات متعاقبة التاريخ السياسي لمختلف الأمم، الواحدة تلو الأخرى، متعمداً التضحية بوحدة الزمان في سبيل وحدة الحضارة، كيف تنشأ، وكيف يحتفظ بها وكيف تنمي الآداب والعلوم والفنون، ولماذا تبلى (٦١)، فالإمبراطوريات- مثل الأفراد- لها حياة ولها مسارات خاصة بها. إنها تنشأ وتنضج وتضمحل (٦٢) فما هي أسباب هذا التعاقب؟
والأحوال الأساسية في هذا التعاقب هي أحوال جغرافية. ذلك أن للمناخ تأثيراً عاماً ولكنه أساسي. فالشمال البارد ينتج آخر الأمر، حتى في أناس أصلهم من الجنوب، جلداً أبيض اللون وشعراً خفيفاً، وعيوناً زرقاء وميلاً إلى الجدية. أما الأقاليم المدارية فتنتهي بمرور الزمن إلى الجلد الأسمر والشعر الأسود، "وتغلب الروح الحيوانية"، وخفة في العقل والمرح وسرعة التنقل بين المسرات مما يؤدي إلى الغناء والرقص (٦٣). ويؤثر الطعام في الخلق. فالغذاء الثقيل المكون من اللحوم والتوابل والحبوب بسبب بلادة الجسم والعقل، والاستسلام السريع للقحط أو العدوى. أما الغذاء الخفيف، مثل هذا الذي تتناوله شعوب الصحراء، فإنه يساعد على رشاقة الأجسام وصحتها، وعلى سلامة العقول. وعلى مقاومة المرض (٦٤). وليس ثمة تفاوت فطري في القدرة الكامنة بين شعوب الأرض: فإن تقدمهم