مغادرة العاصمة مشهداً أحسن إخراجه، فكان يتقدم المسيرة ١٢٠ مدفعاً، يتبعها ٨٠٠٠ من الانكشارية وهم خيرة جنود المملكة، وسار بعد ذلك ألف جمل تحمل المؤن، وألفان من صفوة الخيالة لحراسة الراية المقدسة - نسر الرسول - يتبعهم آلاف من أبناء الأسرى المسيحيين يرتدون ملابس من ذهب، وقبعات حمراء مزودة بالريش، يلوحون مزهوين بالحراب في شجاعة بريئة، أما حاشية الملك وحرسه فكانوا رجالاً أشداء ذوي طلعة بهية، وامتطى السلطان بينهم جواداً كستنائي اللون مرتدياً القطيفة القرمزية الموشاة بالذهب تحت عمامة بيضاء مرصعة بالأحجار الكريمة. وسار وراءه الجيش الذي يبلغ في جملته نحو مائة ألف رجل. ومن ذا الذي يستطيع مقاومة مثل هذه الأبهة والقوة؟ ليس إلا العناصر والزمن!
ولكي يقابل شارل هذا التيار الجارف، تلقى، بعد توسلات كثيرة، منحه من مجلس الديت الإمبراطوري ليجند أربعين ألف رجل ويعد ثمانية آلاف جواد، وقدم هو وفرديناند بالإضافة إلى ذلك، ثلاثين ألف رجل على حسابهما الخاص. وبهذه القوة التي تجمعت في فيينا وعدتها ٧٨. ٠٠٠ رجل، انتظرا الحصار. ولكن السلطان عوق في جونز Guns وهي مدينة صغيرة محصنة تحصيناً شديداً، ولكن حاميتها لم تزد على ٧٠٠ رجل أحبطوا لمدة ثلاثة أسابيع كل محاولة بذلها الأتراك لاختراق الأسوار التي نقبوها إحدى عشرة مرة، وفي كل مرة كانت الحامية المدافعة تسد الثغرات بالمعادن والجثث والاستماتة في الدفاع. وأخيراً أرسل سليمان جواز مرور وبعض الرهائن إلى القائد - نيقولا جوريشتز Jurischitz - يدعوه إلى عقد مؤتمر، فحضر واستقبله الوزير الأكبر بمظاهر الحفاوة والتكريم، وقد امتدحوا شجاعته وقيادته، مع شيء من الحزن والأسى، وأهداه السلطان رداء الشرف، وضمن له عدم القيام بأي هجوم آخر، وأعاده إلى قلعته برفقة حرس رائع من الضباط الأتراك، وسار إلى فيينا هذا