نظام الطبقات بأغلال العبودية الدائمة للكهنوت؛ وتصورت آلهتها تصوراً لا تراعي فيه حدود الأخلاق، واحتفظت خلال القرون بعادات وحشية مثل التضحية بأفراد من الإنسان وإحراق الأرملة عند وفاة زوجها؛ تلك العادات التي كان كثير من الأمم قد نبذها منذ زمن طويل؛ وصورت الحياة على أنها شر لا مفر منه، وعملت على تثبيط الهمة عند اتباعها وإشاعة الكآبة في نفوسهم؛ واستحالت الظواهر الدنيوية على يديها أوهاماً، فمحت بذلك الفوارق بين الحرية والعبودية، بين الخير والشر، بين الإفساد والإصلاح؛ ولقد قال في ذلك هندي جرئ "إن الديانة الهندية … قد استحالت الآن إلى عبادة أوثان وطقوس تقليدية، تعتبر الظواهر الشكلية كل يء، واللباب لا شيء"(٨٤) ولما كانت الأمة يمسك الكهنة بزمامها، وينخر القديسون عظامها، فإن الهند لترقب في شغف لم يجد اللسان المعبر به: " ترقب النهوض والإصلاح الديني وحركة التنوير.
ومع ذلك فلا ينبغي أن نفكر في الهند بغير أن تكون صورتنا التاريخية ماثلة أمام أعيننا؛ فقد كان لنا كذلك فترة كانت لنا عصورنا الوسطى، حيث آثرنا التصوف على العلم وحكومة الكهنة على حكومة الأغنياء- ولعلنا نعود إلى ذلك مرة أخرى، إننا لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء المتصوفة، لان أحكامنا في الغرب مبنية على خبرة جسدية ونتائج مادية، وهي فيما يظهر أمور لا تمس الموضوع الذي تحكم عليه ولا تتعمق الأشياء في رأي القديس الهندي؛ فماذا لو تبين أن الثروة والقوة والحرب والفتح كلها أوهام تجري على السطح لا أكثر، وليست جديرة بالتفكير عند العقل الناضج؟ ماذا لو كان هذا العلم الذي يقيم نفسه على ذرات وعوامل وراثة كلها فروض، وعلى كهارب وخلايا، وغازات يتولد منها عباقرة مثل شكسبير، وعناصر كيماوية يتمخض عنها المسيح، ماذا لو كان كل هذا لا يزيد على عقيدة لا أكثر، سبقتها عقائد، بل إنها لعقيدة من أغرب العقائد، وأبعدها عن التصديق