الفسيح الأبعاد الذي منه تتكون العقيدة الهندية، فإذا أضفت إلى تلك العقيدة إلهاً أو حذفت منها إلهاً، فلا يكون لهذا أثر كبير؛ ومن ثم قلت الحزازات المذهبية قلة نسبية في المجتمع الهندي، ولم تشتد إلا بين الهندوس والمسلمين؛ كذلك لم تسفح على أرض الهند دماء من أجل الدين، اللهم إلا دماء سفحها الفاتحون (٨١)؛ وجاء التعصب الديني إلى البلاد مع الإسلام والمسيحية، أما المسلمون فقد كانوا يبغون شراء الجنة بدم "الكفار" وأما البرتغاليون حين استولوا على "جوا" فقد أدخلوا فيها محاكم التفتيش (٨٢).
وإذا بحثنا في هذا الخليط من العقائد عن عناصر مشتركة تعرف بها ديانة الهنود فسنجدها فيما يوشك أن يكون إجماعاً بين الهندوس على عبادة فشنو وشيفا معاً، وعلى تبجيل الفيدات والبراهمة والبقرة، وعلى اعتبار ملحمتي "ماهابهاراتا" و "رامايانا" لا مجرد ملحمتين أدبيتين، بل اعتبارها آيات مُنَزَّلة تأتي في التقديس بعد الفيدات (٨٣) وإنه لمما ينم عن مغزى: أن نرى آلهة الهند وتقاليدها الدينية اليوم مختلفة عما قررته كتب الفيدا؛ فإلى حد ما يمكن القول بأن الديانة الهندية تمثل انتصار الهند الدرافيدية الأصلية على آريي العصر الفيدي؛ فقد كان من نتائج الغزو والنهب والفقر، أن أوذيت الهند جسماً وروحاً، والتمست ملاذاً من الهزيمة الأرضية النكراء، في انتصارات سهلة ظفرت بها الأساطير والخيال؛ فالبوذية رغم ما فيها من عناصر الشمم، هي- كالرواقية- فلسفة للعبيد، ولا يغير الموقف أن ينطق بها أمير؛ لأنها ترمي إلى وجوب الزهد في كل شهوة وفي كل كفاح حتى لو كانت الشهوة وكان الكفاح من أجل الحرية الفردية أو الحرية القومية؛ ومثلها الأعلى هو حالة جمود لا يعرف الرغبات؛ وواضح أن حرارة الهند التي تنهك الأجسام، هي التي نطقت بهذا اللسان الذي يعبر عن التعب تعبيراً يلتمس سنداً من العقل؛ إن الديانة الهندية ما انفكت تفت في عضد الهند، بأن غلّت نفسها عن طريق