التقوى والزهو وعن تصميم السلاطين على إرهاب شعبهم بالفن قدر إرهابه بالأسلحة. ونافس سليمان جده محمد الفاتح في تشييد سبعة مساجد تتفق مع جلاله وعظمته، وفاق أحدها، وهو الذي حمل اسمه (١٥٥٦) كنيسة أيا صوفيا في جمالها، حتى في محاكاته إياها في مجموعة القباب الصغرى المحيطة بالقبة الرئيسية الوسطى، على أن المآذن هنا، تلك التي ارتفعت مقصورات الآذان الثلاث فيها إلى ارتفاع رهيب، كانت بمثابة إضافة متألقة تتطابق مع القاعدة الضخمة. أما الداخل فكان كنزاً مربكاً من الزخرفة: نقوش ذهبية على الرخام أو الخزف وأعمدة من الحجر السماقي، وعقود من الرخام الأبيض أو الأسود، ونوافذ من الزجاج الملون في إطار من حجر مشجر، والمنبر المحفور وكأنه وقف على مدى الحياة. وربما كان بذخاً أكثر مما ينبغي إجلاله، وتألقاً أكثر مما ينبغي لمقام الصلاة. إن الذي وضع تصميم هذا المسجد وسبعين مسجداً أخرى ألباني اسمه سنان، وقيل إنه عاش إلى سن العاشرة بعد المائة.
رابعاً- سليمان نفسه
إن الغرب هو الذي أطلق على سليمان لقب "العظيم"، ولكن شعبه هو الذي سماه "القانوني" أي جامع القوانين، بسبب مساهمته في تدوين القانون العثماني. ولم يكن مهيباً أو عظيماً في مظهره، ولكن في حجم تجهيزات جيوشه، وفي مدى اتساع حملاته، وفي زينة عاصمته، وفي تشييد المساجد والقصور، والقناطر المائية المشهورة، عظيماً في روعة كل ما يحيط به وفي حاشيته، ثم عظيماً بطبيعة الحال في قوة حكمه، وفي كل ما وصل إليه أو حققه. ووصلت إمبراطوريته من بغداد إلى مدى تسعين ميلاً من فيينا، و١٢٠ ميلاً من البندقية ملكة الأدرياتيك السابقة. وباستثناء فارس وإيطاليا،