اليهودي الخالد، أو اليهودي التائه- رأوه في همبرج (١٥٤٧، ١٥٦٤) وفي فيينا (١٥٩٩)، وفي لوبك (١٦٠١) وفي باريس (١٦٤٤)، وفي نيوكاسل (١٧٩٠)، وأخيراً في ولاية يوتا في غرب الولايات المتحدة (١٨٦٨). وتلقت أوربا، التي كانت تفقد إيمانها، بالترحاب هذه الأسطورة على أنها برهان يؤكد من جديد ألوهية المسيح وبعثه، وضمان جديد لمجيئه ثانية. وعندنا أن الأسطورة رمز كئيب لشعب فقد وطنه في السنة الحادية والسبعين من بداية المسيحية، وبات يتيه في الأرض في قارات أربع، وعانى الاضطهاد والتعذيب المرة بعد المرة، قبل أن يسترد موطنه القديم في خضم زماننا المتقلب المزعزع (١).
ولاقى يهود "الشتات" هؤلاء أقل العناء والشقاء في ظل السلاطين الأتراك والبابوات في فرنسا وإيطاليا، وعاشت الأقليات اليهودية آمنة في القسطنطينية وسالونيك وآسيا الصغرى وسوريا وفلسطين والجزيرة العربية ومصر وشمال أفريقية وأسبانيا تحت حكم العرب. وتسامح البربر معهم كارهين. على أن سيمون ديوران ترأس مستوطنة مزدهرة في الجزائر، وعاشت الجالية اليهودية في الإسكندرية- كما وصفها الحبر أوباديا برتينورو في ١٤٨٨ - حياة طيبة، وشربوا الخمر بكثرة، وتربعوا على البسط كما فعل المسلمون، وخلعوا نعالهم عند دخول المعبد أو بيت أحد الأصدقاء (٢). وكتب اليهود الألمان الذين لجئوا إلى تركيا إلى أقربائهم وصفاً خماسياً للحياة الطيبة التي ينعمون بها هناك (٣). ورخص الباشا (الوالي) العثماني في فلسطين لليهود هناك في أن يبنوا معبداً على جبل صهيون. وحج بعض اليهود الغربيين إلى فلسطين، واعتقدوا أن من حسن حظهم أن تفيض أرواحهم في الأرض المقدسة، والأفضل منها في أورشليم بالذات.
ومهما يكن من أمر، فإن الذي كان يستأثر بتفكير اليهود ويستهوي قلوبهم في هذا العصر تركز في الغرب الذي لا يغفر ولا يصفح. فقد لاقوا