فيه أرضاً ولا سماء، وأقل ما يقال إنه لا يخاطب فيه
صديقاً يواسيه أو يسعفه. ويتهمونه بمقتضى شهادة غامضة
ولا ينبئونه بالزمان أو المكان الذي اقترف فيه الجريمة التي
يحاكم من أجلها. ويسمح له فيما بعد باختيار محام عنه
غالباً ما يقوده إلى طريق المحرقة، بدلاً من الوقوف إلى
جانبه والدفاع عن قضيته. دع مخلوقاً منكود الحظ يقر
بأنه مسيحي مؤمن حقاً، وينكر إنكاراً قاطعاً الخطايا التي
سيقت لاتهامه، فإنهم يسلمونه إلى النار، ويصادرون
بضاعته. أو دعه يدفع بأنه مذنب في كذا وكذا من
الأعمال، ولو أنها ارتكبت عن غير قصد، فإنهم يعاملونه
بالطريقة نفسها، مدعين بأنه ينكر عناداً نياته ومقاصده
السيئة. أو دعه يعترف اعترافاً كاملاً صريحاً بصحة ما
اتهم به، فإنهم يسومونه أشد ضروب الحرمان، ويحكمون
عليه بالبقاء في زنزانة كئيبة مظلمة لا يرى فيها النور، ويسمون
هذا "معاملة المتهم بالرحمة والرأفة والبر المسيحي" وحتى
الذين يفلحون في إثبات براءتهم يحكم عليهم بدفع غرامة، حتى
لا يقال إنه قبض عليهم بلا سبب. أما المتهمون المودعون في السجون
فإنهم يعذبون بكل آلات التعذيب حتى يقروا بما وجه إليهم
من اتهامات. وكثيرون يقضون نحبهم في السجن. أما
الذين يطلق سراحهم. فإنهم هم وذوي قراهم يدمغون
العار الأبدي (٥٤).
لقد أرهقت التطورات السياسية البابا بول، وأقض مضجعه خطر فقدان أسبانيا والبرتغال، كما كان البابا قد فقد ألمانيا، والبابا كليمنت إنجلترا، ولكن بول على الرغم من ذلك بذل قصارى جهده للتخفيف من حدة محاكم