آخر، وأجاز القانون صراحة أو ضمنا تشغيل الأطفال. وقام الأطفال في فلاندرز بصناعة المخرمات برمتها، وحرم القانون اشتغال البنات فوق سن الثانية عشرة في هذه المهنة (١٠). أما قوانين الاحتكارات والمضاربات والربا فكان مصيرها أو المراوغة في التنفيذ.
وتصادف ظهور الإصلاح الديني مع قيام الاقتصاد الجديد. وكانت الكنيسة الكاثوليكية تناهض "الأعمال والمشروعات والتجارة" في حساسية بالغة. فلم يتفق كل هذا مع مزاج الكنيسة. وكانت قد أدانت فوائد القروض، وأجازت من الناحية الدينية قيام النقابات، وقدست الفقر وانتقدت الثراء، وأعفت العمال من العمل أيام الآحاد والعطلات التي كانت كثيرة، إلى حد أنه في ١٥٥٠ بلغ عدد الأيام التي لا عمل فيها ١١٥ يوماً في السنة في الأقطار الكاثوليكية (١١). وربما كان لهذا أثره في الإبطاء بالتصنيع والإثراء في هذه البلاد. ودافع رجال اللاهوت، بموافقة الكنيسة، عن فكرة تحديد "أسعار عادلة" لضرورات الحياة بمقتضى القانون، وكان توماس الأكويني قد وصم السعي إلى المال، بعد الوفاء بحاجيات الإنسان، بأنه "جشع آثم"، وحكم بأن أية مقتنيات أو مدخرات فائضة عن الحاجة، "تخصص بمقتضى القانون الطبيعي لإغاثة الفقراء وإسعافهم"(١٢). وشارك لوثر في هذه الآراء، ولكن التطور العام للبروتستانتية تعاون، دون وعي، مع الانقلاب الرأسمالي. وألغيت عطلات القديسين، وكان من نتيجة ذلك زيادة العمل ورأس المال معاً. ولقي المذهب الديني الجديد تأييداً ودعماً من رجال الأعمال، وجزاء مجاملة مثلها، فنظر البروتستانت إلى الثروة بعين الإجلال والإكبار، وأثنوا على التدبير والاقتصاد، وشجعوا العمل على أنه فضيلة، وارتضوا الفائدة على أنها مكافأة مشروعة لمخاطرة المرء بمدخراته.