أن يجلس الشاب مفكراً في طوية نفسه، في عاطفته التي احتبست في صدره والتي من أجل احتباسها أخذت تُزَين له الحبيب المُشتَهَى، مما يؤدي عادةً إلى الحب العاطفي عند الشباب؛ إن مثل هذا الحب وظهوره مرهون بالمدنية التي أقامت الأخلاق سدودا أمام الشهوة، هذا إلى أن الثروة وازديادها قد مكنت بعض الرجال أن ينفقوا، وبعض النساء أن يصنعنَ، ما يقتضيه الحب العاطفي من علامات الترف والرقة؛ فالبدائيون أفقر من أن يعرفوا عاطفة الحب؛ ولذلك قلما تجد في أغانيهم شعراً يدور حول الحب؛ ولما ترجم المبشرون المسيحيون الكتاب المقدس إلى لغة قبيلة "ألجونكون" Algonquins لم يجدوا كلمة في لغتهم تعبر عن "الحب"؛ ويصف الواصفون قبيلة الهوتنتوت بأنهم "باردون في الزواج ولا يأبه أحد من الزوجين بالآخر" وكذلك في ساحل الذهب "لا يظهر بين الزوج وزوجته من علائم الحب شيء حتى ولا مظاهره الخارجية" وقل هذا كذلك في أهل استراليا البدائيين؛ يقول "كاييه" Caillie إذ هو يتحدث عن زنجي من السنغال: "سألت بابا لماذا لا يمرح أحياناً مع زوجاته، فقال إنه لو فعل لتعذر عليه بعدئذ أن يملك زمامهن"؛ ولما سئل رجل من أهل استراليا الوطنيين لماذا أراد أن يتزوج، فأجاب صادقاً بأنه إنما أراد الزوجة لتهيئ له الطعام والشراب والحطب، ولتحمل له المتاع أثناء الرحيل والتقبيل الذي لا يستغني عنه الأمريكيون فيما يظهر، لا تعرفه الشعوب البدائية، أو هم يعرفونه معرفة الشيء المزدَرَي.
وعلى وجه التعميم، نقول أن "الهمجي" يزاول أموره الجنسية بروح فلسفية، لا يكاد يزيد عن الحيوان فيما يساوره من قلق ميتافيزيقي أو ديني؛ إنه لا يفكر في الأمر بينه وبين نفسه، كلا ولا يطير بعاطفته في سمائه، بل الجنس عنده أمر طبيعي كالطعام سواء بسواء، ولا يحاول قط أن يُزَيّن لنفسه الدوافع، فليس في الزواج عنده شيء من التقديس، وقلما يسرف في الاحتفال به، بل هو