فقد اختط هدفاً أوسع وترسم طريقاً أرحب. ولد في بلنسية في ١٤٩٢ ورحل عن أسبانيا وهو في السابعة عشرة، ولم يرها بعد ذلك قط. وقد درس في باريس فترة أتاحت له حب الفلسفة واحتقار الفلسفة الكلامية، وحين بلغ السادسة والعشرين ألف أول تاريخ حديث للفلسفة. وفي السنة ذاتها تحدى الجامعات بهجوم على الطرائق السكولاستية في تعليم الفلسفة. فقد شعر بأن خطة النهوض بالفكر بالطريق المناظرة لا تشجع إلا الشجار العقيم حول مسائل لا وزن لها. ورحب إرزمس بالكتاب وأوصى مور بأن يقرأه، وقال في أدب إنه يخشى أن "يحجب .. فيف .. إرزمس. (١٨) " وعين فيف أستاذاً للدراسات الإنسانية في لوفان (١٥١٩) ربما بنفوذ إرزمس. ثم نشر بتشجيع إرزمس طبعة من كتاب أوغسطين "مدينة الله" عليها شروح ضافية وأهداها إلى هنري الثامن، وتلقى منه رداً رأى فيه من الود ما حمله على الانتقال إلى إنجلترا (١٥٢٣). ورحب به مور والملكة كاترين التي تنتمي إلى وطنه (أسبانيا). وعينه هنري واحداً من أساتذة الأميرة ماري الخصوصيين. وربما ألف كتابه "في تربية الأطفال" لإرشادها (١٥٢٣). وسارت الأمور على ما يرام إلى أن أعرب عن استنكاره لطلب هنري فسخ زواجه. فأوقف هذا راتبه واعتقله في بيته ستة أسابيع. ولما أطلق سراحه عاد إلى بروج (١٥٢٨) وهناك أنفق سني حياته الباقية.
وإذا ظل مثالياً وهو في السابعة والثلاثين فقد وجه إلى شارل الخامس نداءً إرزمياً يدعوه فيه إلى إنشاء محكمة دولية للتحكيم بديلاً عن الحرب (١٥٢٩) وبعد عامين أصدر أكبر كتبه، وهو أكثر رسائل النهضة الأوربية التعليمية تقدماً، وفيه دعا إلى تعليم موجه إلى "ضروريات الحياة، وإلى شيء من النهوض سواء بالجسد أو العقل، وإلى تربية الاحترام وزيادته (١٩) " وقال