ولكي ينمي رئتيه كان يصيح حتى سمعته باريس كلها. وزار صناع المعادن وقاطعي الأحجار والصياغ والكيميائيين والنساجين وصانعي الساعات والطباعين والصباغين ودرس حرفهم "بإعطائهم شيئاً يشربونه" وكان في كل يوم يشارك في عمل بدني نافع، ويذهب أحياناً لحضور محاضرة أو مشاهدة تجربة أو الاستماع إلى "مواعظ الوعاظ الإنجيليين"(وتلك غمزة بروتستنتية).
وفجأة استدعى جارجانتوا وهو يتلقى هذا التعليم كله إلى مملكة أبيه لأن ملكاً آخر يدعى بكروشول أعلن الحرب على جرنجوزييه. لماذا؟ إن رابليه يسرق هنا قصة من كتاب بلوتارخ "حياة بيروس" ويروي أن قواد بكروشول راحوا يفاخرون بما يستطيعون فتحه من بلاد تحت قيادته: فرنسا وأسبانيا والبرتغال والجزائر وإيطاليا وصقلية وكريت وقبرص ورودس واليونان وأورشليم … ويغتبط بكروشول وتنتفخ أوداجه. غير أن فيلسوفاً عجوزاً يسأله:" وما نهاية كل هذه المتاعب والأسفار؟ " ويجيب بكروشول: "حين نعود سنجلس ونستريح ونبتهج". ويقترح عليه الفيلسوف هذا الرأي "ولكن هبك لم تعد إلى وطنك قط لطول الرحلة وخطرها، أفلا يحسن بنا أن نستريح من الآن؟ " وصاح بكروشول "كفى. امضوا بنا قدماً. إنني لا أخشى شيئاً … وليتبعني من يحبني"(١ - ٣٣). وتكاد فرس جارجانتوا تنهي الحرب مع بكروشول بالفوز عليه لأنها أغرقت آلافاً من رجال العدو بدفقة بسيطة واحدة من بولها.
ولكن بطل الحرب الحقيقي هو الأخ يوحنا، وهو راهب أحب القتال أكثر من الصلاة، وسمح لتطلعه الفلسفي أن يغامر في مسالك أكثر خطراً. فهو يتساءل مثلاً "ما السبب في أن فخذي السيدة النبيلة تبدوان دائماً غضتين ربطتين؟ "- ومع أنه لا يجد في كتب أرسطو أو بلوتارخ ما ينيره في هذه المشكلة الجذابة، فإنه هو نفسه يجيب إجابات