للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزمن كما تعلم جيداً لم يكن يومها مواتياً كما هو الآن للتعلم … لقد كان زمناً مظلماً تحجب سماؤه غيوم الجهالة وينبعث فيه شيء من نحس القوط ونكبتهم، القوط الذين دمروا كل الأدب الطيب حيثما استقرت أقدامهم، ذلك الأدب الذي رد بفضل الله في عصري إلى سابق إشراقه وكرامته بحيث لا يكاد يسمح لي الآن بدخول الصف الأول في مدرسة ثانوية للصبيان ....

أما اليوم فقد زودت عقول الناس بشتى العلوم، وأحييت العلوم القديمة التي ظلت منقرضة أجيالاً كثيرة، وأعيدت لغات الثقافة إلى نقائها القديم- وأعني اليونانية (التي يخجل الإنسان بدونها من أن يعد نفسه أديباً أو عالماً)، والعبرية، والعربية، والكلدية، واللاتينية. كذلك شاع استعمالها الطباعة، أنيقة دقيقة بحيث لا يمكن تصور ما هو أرقى منها …

وفي نيتي … أن تتعلم اللغات تعليماً كاملاً … أما التاريخ فلا يفتك حفظ أي جزء منه … وأما الفنون الحرة كالهندسة والحساب والموسيقى فقد أتحت لك تذوقها حين كنت بعد صبياً … فامض فيها قدماً … وأما الفلك فادرس كل أصوله، ولكنك دعك من التنجيم … لأنه ليس سوى غش وغرور خالصين … وأما القانون المدني فإني أريدك أن تحفظ نصوصه عن ظهر قلب ثم تبحثها مسترشداً بالفلسفة … وأما أعمال الطبيعة فإني أود أن تدرسها بدقة … ولا يفتك أن تطلع بعناية على كتب الأطباء اليونان والعرب واللاتين، ولا تحتقر التلموديين، والقبلانيين، واستكثر من التشريح لتلم إلماماً تاماً بذلك العالم الصغير، أعني الإنسان. كذلك أعكف في بعض ساعات النهار على درس الكتاب المقدس: أولاً العهد الجديد باليونانية، ثم العهد القديم بالعبرية …